الخامس: أن يقال: قد وأنها لا تتضمن أن كل مركب فلا بد له من فاعل خارج عنه. ابن سينا، اعترفت بفساد طريقة
وهذا الذي قلته في طريقة يلزمك بطريق الأولى، فإنه ليس فيما ذكرته أن كل مركب فلا بد له من فاعل خارج عنه، إلا ما أخذته من لفظ «مركب»، وهذا تدليس قد عرف حاله. ابن سينا
[ ص: 437 ] وأما قولك: «إن دليل الأشعرية أيضا لا يفضي إلى إثبات أول قديم ليس بمركب، وإنما يفضي إلى إثبات أول ليس بحادث».
فهذا أيضا توكيد لإثبات الصفات، فإن مرادك بالمركب ما كان موصوفا بالصفات، ولا ريب أن الأدلة الدالة على إثبات الصانع ليس فيها، والحمد لله، ما ينفي إثبات الصفات.
فإن قلت: فهم ينفون التجسيم بناء على انتفاء التركيب، ولا دليل لهم على ذلك.
قيل لك: هذه حجة جدلية، وغايته أن تلزمهم التناقض، وذلك لا يقتضي صحة قولك الذي نازعوك فيه، وهم نازعوك في إثبات الصفات، فقلت: إن إثبات الصفات يستلزم التركيب، وأنت لم تقم دليلا على نفي هذا التركيب، فلم تقم دليلا على نفي الصفات، وقالوا لك أيضا: لا دليل لك على نفي التجسيم، فإن عمدتك هو نفي الصفات العائد إلى نفي التركيب، وقد ظهر ذلك.
فإذا قلت لهم: وأنتم أيضا لا دليل لكم على ذلك، فإن دليل الحدوث لا يقتضي ذلك.
قالوا لك: نحن أثبتنا الحدوث بحدوث الجسم، وهو المراد بقولنا «مركب»، فإن صح دليلهم ثبت نفي ما سموه تركيبا، وإن لم يصح دليلهم لم يكن في هذا منفعة لك.
[ ص: 438 ] وهذه الطريق هي التي سلكها في مناظرته إخوانك، وهي طريق صحيحة، وقد تبين أن ما ذكره أبو حامد عن احتجاجهم بلفظ المركب جواب صحيح، وإن احتجاجهم بهذا نظير احتجاج أولئك بلفظ التخصيص، حيث قالوا: إن المختص بشيء لا بد له من مخصص، وهذا هو الذي سلكه نفاة الصفات، ويسمون نفي الصفات توحيدا، وهذا هو الذي سلكه أبو حامد أبو عبد الله محمد بن تومرت الملقب عند أصحابه بالمهدي، وأمثاله من نفاة الصفات المسمين ذلك توحيدا.