فلما كما أخبر بكونه قبل السموات والأرض خبرا مطلقا، وأخبر في غير موضع أنه ربه وصاحبه، تمييزا له من السموات والأرض، كقوله: وقع التفصيل في خلق السموات والأرض وما بينهما، وفي القيامة التي تستحيل فيها السموات والأرض وما بينهما، لم يكن العرش داخلا في ذلك، بل أخبر ببقائه بعد تغيير السموات [ ص: 471 ] والأرض، قل من رب السماوات السبع ورب العرش العظيم سيقولون لله قل أفلا تتقون [المؤمنون: 86-87] وفي الصحيحين عن رضي الله عنهما ابن عباس وقال عن أهل سبأ: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول عند الكرب: «لا إله إلا الله العظيم الحليم، لا إله إلا الله رب العرش العظيم، لا إله إلا الله رب السموات ورب الأرض ورب العرش الكريم» ألا يسجدوا لله الذي يخرج الخبء في السماوات والأرض ويعلم ما تخفون وما تعلنون الله لا إله إلا هو رب العرش العظيم [ ص: 472 ] [النمل: 25-26] وذكر نفسه بأنه ذو العرش في غير موضع، كقوله تعالى: وهو الغفور الودود ذو العرش المجيد [البروج: 14-15] وقوله تعالى: قل لو كان معه آلهة كما يقولون إذا لابتغوا إلى ذي العرش سبيلا [الإسراء: 42] وقوله: رفيع الدرجات ذو العرش يلقي الروح من أمره على من يشاء من عباده [غافر: 15] فهذا كله يبين أن العرش له شأن آخر.
كما أن الروح خصه من بين الملائكة في مثل قوله: تعرج الملائكة والروح إليه في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة [المعارج: 4] وفي قوله: يوم يقوم الروح والملائكة صفا لا يتكلمون إلا من أذن له الرحمن وقال صوابا [النبأ: 38] وفي قوله تعالى: تنزل الملائكة والروح فيها بإذن ربهم من كل أمر سلام [القدر: 4-5] مع العلم أن ذلك جميعه مخلوق لله مملوك له، وأنه رب ذلك كله، وهم عباده.
وليس فيما سكت عن الإخبار بتفصيله، ما ينافي ما علم مجملا، وما أخبر به مفصلا، كما ذكر عن البخاري، سليمان التيمي، أنه قال: «لو قيل لي: أين الله؟ لقلت: في السماء، فلو قيل لي: أين كان قبل أن يخلق السماء؟ لقلت: على عرشه على الماء، فلو قيل لي: أين كان قبل ذلك؟ لقلت: لا أدري. [ ص: 473 ] قال وذلك لقوله تعالى: البخاري: ولا يحيطون بشيء من علمه إلا بما شاء [البقرة: 255] يعني بما بين».