والقرآن دل على ذلك كما ذكره، وقالوا في قوله تعالى: قلت: هذا الذي ذكر من أن القرآن كله محكم، وأنه كله متشابه، قد ذكره عامة العلماء، متشابها ما ذكره أنه متشابه في المعاني والألفاظ.
قال كثير من المفسرين كالثعلبي مثل ما قال (متشابها) يشبه بعضه بعضا في الحسن، ويصدق بعضه بعضا. والبغوي
وقال أبو الفرج بن الجوزي في المتشابه قولان:
أحدهما: أشبه بعضه بعضا في الآي والحروف، فالآية تشبه الآية، والكلمة تشبه الكلمة، والحرف يشبه الحرف.
والثاني: أن بعضه يصدق بعضا، فليس فيه اختلاف ولا تناقض، وتفسير المتشابه بأنه يصدق بعضه بعضا [ ص: 340 ] معروف عند عامة العلماء، وأما القول الأول فهو مأثور عن قال: الآية تشبه الآية، والحروف تشبه الحروف. قتادة.
ولفظ الحرف في اللغة يراد به الاسم، لقوله صلى الله عليه وسلم: فلعل «من قرأ القرآن فأعربه، فله بكل حرف عشر حسنات، أما إني لا أقول "الم" حرف، ولكن ألف حرف، ولام حرف، وميم حرف» أراد الآية المنظومة والاسم المفرد يشبه بعضه بعضا في اللفظ والمعنى، كما قال غيره. قتادة
فالتشابه في المعنى ينفي التضاد والتناقض المعبر عنه [ ص: 341 ] بالاختلاف في قوله تعالى: ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا [النساء: 82]. وذلك في الأوامر والنواهي والأخبار، فيأمر بالشيء الحسن وما يماثله، وينهي عن الشيء السيئ وعما يماثله، لا يتناقض فيحكم بين المثلين بحكمين مختلفين، وكذلك المدح والذم، يمدح الشيء وما يماثله، ويذم الشيء ويذم ما يماثله، وكذلك في الترغيب والترهيب والوعد والوعيد، وكلام المخلوقين لا يخلو عن نوع من التناقض والاختلاف.
والتشابه في الألفاظ تناسبها وائتلافها واعتدالها، وأنه كله كذلك بخلاف كلام المخلوقين، فإنه يكون بعضه على طريقة في الحسن، وباقيه يخالف ذلك، فلا يكون آخره كأوله، وهذا كالبناء والخياطة إذا كان متناسبا يشبه بعضه بعضا، فهو بخلاف ما يكون بعضه لا يشاكل بعضا، وأما المثاني.
فهو جمع مثنى، والتثنية يراد بها التقسيم، [ ص: 342 ] فقد فسر المثاني بأنه الذي يستوفى فيه الأقسام، فيذكر فيه الوعد والوعيد، والأمر والنهي، والأخبار والأحكام، والحلال والحرام، لا يذكر أحد القسمين دون الآخر، فهو يستوفي الأقسام، كما أن المتشابه هو الأمثال، وفسر بأنه هو الذي يكون فيه القصص والحجج والأمر والنهي، لما في ذلك من الحكمة والبيان، ولأن في كل موضع من المعاني النافعة مثلا ليس في الموضع الآخر، بمنزلة الشيء الواحد الذي له أسماء متعددة، وكل اسم يدل على صفة، ومن ذلك أسماء الله تعالى وأسماء رسوله صلى الله عليه وسلم وأسماء كتابه، فتثنية الخبر، والأمر بألفاظ يختص كل لفظ بمعنى بمنزلة تثنية الأسماء للمسمى الواحد الذي يختص كل اسم بمعنى، وهذا يتضمن الإخبار بصفات الأشياء، وإن كان الموصوف واحدا فهو تثنية وتكرير باعتبار الذات، لا اعتبار الصفات.
وروى ابن أبي حاتم بإسناد معروف، عن سعيد بن جبير، [ ص: 343 ] عن في ابن عباس مثاني "يفسر بعضه بعضا، ويرد بعضه على بعض". وعن قوله تعالى: الحسن قال: "ثنى الله فيه القضاء، تكون السورة فيها آية وفي الأخرى آية تشبهها". وكذلك قال عكرمة: "ثنى الله فيها القضاء". وعن الضحاك قال: "ترديد القول ليفهموا عن ربهم تبارك وتعالى".
جعل المثاني من جنس المتشابه وهي النظائر [ ص: 344 ] التي يفسر بعضها بعضا، وعلى القول الآخر تكون المثاني هي الوجوه، وهي: الأنواع كالوعد والوعيد، والأمر والنهي. فابن عباس