[ ص: 250 ] فصل
الرازي: «وأما «الحنابلة» الذين التزموا الأجزاء والأبعاض».
فيقال: إن أردت بهذا الكلام أنهم وصفوه بلفظ الأجزاء والأبعاض، وأطلقوا ذلك عليه من غير نفي للمعنى الباطل، وقالوا إنه يتجزأ أو يتبعض، وينفصل بعضه عن بعض، فهذا ما يعلم أحد من الحنابلة يقوله، هم مصرحون بنفي ذلك، وإن أردت إطلاق لفظ البعض على صفاته في الجملة -فهذا ليس مشهورا عنهم، لا سيما الحنابلة أكثر اتباعا لألفاظ القرآن والحديث من قال الكرامية ومن الأشعرية (بإثبات لفظ الجسم من الحنابلة) - فهذا مأثور عن الصحابة والتابعين، والحنبلية وغيرهم متنازعون في إطلاق هذا اللفظ كما سنذكره إن شاء الله، وليس للحنبلية في هذا اختصاص، ليس لهم قول في النفي والإثبات إلا وهو وما أبلغ منه موجود في عامة الطوائف وغيرهم، إذ هم لكثرة الاعتناء بالسنة والحديث والائتمام بمن كان بالسنة أعلم، أبعد عن الأقوال [ ص: 251 ] المتطرفة في النفي والإثبات، وإن كان في أقوال بعضهم غلط في النفي والإثبات فهو أقرب من الغلط الموجود من الطرفين في سائر الطوائف الذين هم دونهم في العلم بالسنة والاتباع.
وإن أردت أنهم وصفوه بالصفات الخبرية، مثل: الوجه واليد، وذلك يقتضي تجزئة التبعيض، أو أنهم وصفوه بما يقتضي أن يكون جسما، والجسم متبعض ومتجزئ، وإن لم يقولوا هو جسم. فيقال له: لا اختصاص للحنابلة بذلك، بل هو مذهب جماهير أهل الإسلام، بل وسائر أهل الملل وسلف الأمة وأئمتها.
وفي الجملة فإثبات هذه الصفات هو مذهب الصفاتية من جميع طوائف الأمة مثل الكلابية وأئمة الأشعرية، وهو مذهب الكرامية. ومن المعلوم أن بين إثبات الأشعرية ونحوهم له، وبين إثبات بعض الكرامية ونحوهم له فرقا. وكثير منهم ينفي ذلك، ومنهم من لا ينفيه ولا يثبته، ومنهم من أثبت ما جاء. وهذا إمام طائفته وهو من أعلم الناس بمقالات أهل الكلام، قد ذكر في غير موضع من كتبه، أن هذا [ ص: 252 ] مذهب أهل السنة والحديث، وقال: «إنه به يقول». كما قد ذكرنا لفظه في غير هذا الموضع، وهذه الكتب التي صنفها مصنفوهم أبي الحسن الأشعري، كأبي الحسن التميمي وأهل بيته، والقاضي أبي يعلى، وأبي الوفاء ابن عقيل وأبي الحسن بن الزاغوني [ ص: 253 ] وذكروا فيها ما جرت عادة المتكلمة الصفاتية بذكره، كأبي سعيد بن كلاب وأمثالهما من إثبات الصفات، ونفي التجسيم، قد بينوا فيها ذلك، كما بينه هؤلاء، ونحوهم في هذه الصفات العينية الخبرية كالوجه واليدين وغيرهما. وأبي الحسن الأشعري،