قلت: كلام السلف والأئمة كثير في "مسألة الرؤية" وتقرير وجودها بالسمع، وتقرير جوازها بالعقل، وتقرير أن نفي جوازها [ ص: 429 ] مستلزم للتعطيل، وقد نبه السلف ومتكلمة الصفاتية على ما هو معلوم بالمعقول أنه لأنه إذا كان موجودا جازت رؤيته. من قال: إنه لا يمكن رؤيته فقد لزم أن يعطله ويجعله معدوما؛
ثم للناس هنا طريقان (أحدهما ) -وهي طريقة وغيره أبي محمد بن كلاب كأبي الحسن بن الزاغوني - أن كل ما هو قائم بنفسه فإنه تجوز رؤيته، ولم يلزموا ذلك في سائر الأعراض والصفات. و (الثانية ) وهي طريقة ومن اتبعه، وقد سلكها القاضي أبي الحسن الأشعري أبو يعلى وغيره أن كل موجود تصح رؤيته، سواء كان قائما بنفسه أو قائما بغيره، وقد قرروا ذلك بطرق منها ما هو غير بين ويرد عليه أسئلة، والتزموا لأجل ذلك لوازم يظهر فسادها. وقد بينا في غير هذا الموضع كيف تقرير الطريقة العقلية في ذلك على وجه يفيد المقصود، ولكن نشير هنا إشارة فنقول: [ ص: 430 ] معلوم أن "الرؤية" تتعلق بالموجود دون المعدوم، ومعلوم أنها أمر وجودي محض لا يسيطر فيها أمر عدمي، كالذوق الذي يتضمن استحالة شيء من المذوق، وكالأكل والشرب الذي يتضمن استحالة المأكول والمشروب، ودخوله في مواضع من الآكل والشارب، وذلك لا يكون إلا عن استحالة وخلق. وإذا كانت أمرا وجوديا محضا ولا تتعلق إلا بموجود فالمصحح لها الفارق بين ما يمكن رؤيته وما لا يمكن رؤيته: إما أن يكون وجودا محضا، أو متضمنا أمرا عدميا، والثاني باطل لأن العدم لا يكون له تأثير في الوجود المحض، فلا يكون سببا له، ولا يكون أيضا شرطا أو جزءا من السبب إلا أن يتضمن وجودا فيكون ذلك الوجود هو المؤثر في الوجود، ويكون ذلك العدم دليلا عليه ومستلزما له ونحو ذلك، وهذا من الأمور البينة عند التأمل.
ومن قال من العلماء: إن العدم يكون علة للأمر الثبوتي، أو جزء علة أو شرط علة. فإنما يقول ذلك في قياس الدلالة [ ص: 431 ] ونحوه مما يستدل فيه بالوصف على الحكم، لا يقول أحد: إن نفس العدم هو المقتضي للوجود، ولا يقول: إن الوصف المركب من وجود وعدم هما جميعا مقتضيان للوجود المحض. وشروط العلة هي من جملة أجزاء العلة التامة.