وأما "القسم الثاني" وهو الذي لو قدر شيئان منه لا يمتنع حصولهما في محل واحد، وحيث واحد ولا يتصور ازدحامهما فيه.
ومن تأمل ما ذكرنا من القسمين وأنصف علم استحالة تقدير قسم ثالث خارج عن القسمين. وهذا الكلام يتناول الموجود مطلقا. ويقال فيه مطلقا ما قاله في المحدث، فإن قوله: (الذي يضبطه الذكر حسا أو حكما ) يعم ذلك في الموجود، لا يفرق في ذلك بين كونه قديما أو محدثا؛ بل ضبط الذكر حسا أو حكما لهذين القسمين هو للموجود مطلقا من غير تقييد بحدوث أو قدم. ويبين ذلك أن الذكر يضبط هذين القسمين قبل علمه بانقسام الموجود إلى محدث وقديم. وقبل علمه باستحالة وصف القديم بأحدهما أو بهما أو جواز ذلك عليه.
وبالجملة فحكم الفطرة إن كان مقبولا في هذا التقسيم فهو مقبول مطلقا، وإن لم يكن مقبولا فليس مقبولا مطلقا؛ إذ الفطرة لا تفرق؛ ولهذا كان يقول غير واحد من أفاضل زماننا من الفضلاء العالمين بالفلسفة والشريعة: (ما ثم إلا مذهب المثبتة أو الفلاسفة ، وما بينهما متناقض. وثبت أن الفلاسفة أكثر [ ص: 377 ] تناقضا ).