قال: (وقد [ ص: 385 ] قدمنا من مذهب الأستاذ أبي إسحاق أنه أوجب فإنا نعلم أنه ليس من قبيل ما نشاهده من الجواهر والأعراض، وأنه مما لا يتصور في الأوهام؛ ولسنا نعني بقولنا: ليس في العالم ولا خارج العالم. نفي وجوده تعالى كما نسبتنا إلى ذلك لله صفة توجب التقدس عن الأحياز والجهات والانفراد بنعوت الجلال، المجسمة، وإنما نعني به إثبات وجود غير محدود بوجه، ومن أثبت لله حدا ونهاية من وجه فيلزمه إثبات النهاية من سائر الجهات؛ فإن قول القائل: إنه في العالم أو خارج العالم يقتضي حدا ونهاية يصح لأجلهما عليه الدخول في العالم أو الخروج منه، وقال بعض المتكلمين: أخص وصفه وجوب وجوده. وقال بعض أصحابنا: أخص وصفه قيامه بنفسه مع انتفاء النهاية والحجمية. وهذا معنى قول الأستاذ، ولم ينقل عن شيخنا أبي الحسن رحمه الله تعالى في ذلك شيء غير أنه قال: إنما ينفرد الرب سبحانه عن الأغيار بالهيئة وهي قدرته على الاختراع، واستحقاقه نعوت الجلال، وذكر [ ص: 386 ] الأستاذ أبو بكر في "كتاب الانتصار" عن بعض الأصحاب أنه قال: لله سبحانه وتعالى مائية، ثم فسرها بصفاته التي تفرد بها عن المخلوقات من العلم المحيط والقدرة الكاملة والإرادة النافذة وغير ذلك من تقدسه عن سمات الحدث، ومن الكرامية من أثبت لله كيفية ومائية، فإن عنوا بالمائية ما أشار إليه القاضي والأستاذ -وما أراهم يريدون ذلك- فيبقى بيننا وبينهم الاختلاف في الاسم، فنحن نقول المائية تقتضي الجنس والكيفية تقتضي الكمية والشكل، ويتعالى الله عن ذلك، فإنه ليس نوعا لجنس ولا جنسا لنوع، بل هو الأحد الصمد ).