[ ص: 390 ] فقد تبين أن فمن قال: إنه وجود مطلق فقوله باطل بالبديهة. ومن قال: إنه يتميز بصفات سلبية مثل امتناع عدمه ونحو ذلك فهو نظيره؛ بل هو هو. ومن قال: يتميز ببعض الصفات المعنوية كعلمه وقدرته. قيل له: وإن اختص بذلك؛ لكن لا بد له من ذات موصوفة بتلك الصفة، وأن تكون تلك الذات لها حقيقة في نفسها يتميز بها عن سائر الحقائق. وأن "القول الرابع" وهو أن له حقيقة يختص بها هو الصواب. ومعلوم أن الموجود ينظر في نفسه وفي صفته وفي قدره، وإن كان اسم الصفة يتناول قدره ويستلزم ذاته أيضا. [ ص: 391 ] الأقوال في وجود الحق على مراتب،
فإذا علم بصريح العقل أنه لا بد له من وجود خاص، أو حقيقة يتميز بها، ولا بد له من صفات تختص به لا يشركه فيها أحد: فيقال: وكذلك قدره، فإن الموجود لا يتصور أن يكون موجودا إلا بذلك. ودعوى وجود موجود بدون ذلك دعوى تخالف البديهة والضرورة العقلية، ولذلك حكموا على من نفى ذلك بالتعطيل، لأنه لازم قوله، وإن كان لا يعلم لزومه.
والتحقيق أنه جمع في قوله بين الإقرار بما يستلزم وجوده، والإقرار بما يستلزم عدمه، فهو مقر به من وجه، منكر له من وجه، متناقض من حيث لا يشعر؛ ولهذا يقول المشايخ العارفون: إن هؤلاء المنكرين لا تتنور قلوبهم، ولا يفتح عليها، ولا ينالون زينة أولياء الله تعالى الكاملين، لما عندهم من الجحود والإنكار المانع لهم من حقيقة معرفة الله تعالى ومحبته والقرب منه؛ فإنهم التزموا التكذيب بالحق الذي تقربهم معرفته وقصده إلى الله تعالى، ففاتهم من معرفة الله وقصده والتقرب إليه بقلوبهم ما به ينالون ولايته التي نعت بها أولياءه المتقين الكاملين، وإن كانوا قالوا من ذلك بحسب ما عندهم من الإيمان والتقوى. [ ص: 392 ]