في "نقضه على الجهمي أبو سعيد عثمان بن سعيد العنيد، فيما افترى على الله تعالى في التوحيد" المريسي (ثم انتدب وقال الإمام الضال لرد ما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الرؤية في قوله عليه السلام: المريسي فأقر الجاهل بالحديث وصححه وثبت روايته عن النبي صلى الله عليه وسلم، ثم تلطف لرده وإبطاله بأقبح تأويل، وأسمج تفسير، ولو قد رد الحديث أصلا كان أعذر له من تفاسيره هذه المقلوبة التي لا يوافقه عليها أحد من أهل العلم ولا من أهل العربية، فادعى الجاهل أن تفسير قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنكم سترون ربكم يوم القيامة لا تضامون في رؤيته، كما لا تضامون في رؤية [ ص: 401 ] الشمس والقمر ليلة البدر" تعلمون أن لكم ربا لا تشكون فيه، كما لا تشكون في القمر أنه قمر، لا على أن أبصار المؤمنين تدركه جهرة يوم القيامة؛ لأنه نفى ذلك عن نفسه بقوله: "إنكم سترون ربكم لا تضامون في رؤيته" لا تدركه الأبصار [الأنعام: 103 ] قال: وليس على معنى [قول ] المشبهة فقوله (ترون ربكم ) تعلمون أن لكم ربا لا تعتريكم فيه الشكوك والريب، ألا ترون أن الأعمى يجوز أن يقال: ما أبصره، أي ما أعلمه، وهو لا يبصر شيئا، ويجوز أن يقول الرجل: نظرت في المسألة. وليس للمسألة جسم ينظر إليه، فقوله: نظرت فيها. رأيت فيها، فتوهمت المشبهة الرؤية جهرة، وليس ذلك من جهة العيان.
فيقال لك أيها أقررت بالحديث وثبته عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخذ الحديث بحلقك لما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد قرن التفسير بالحديث فأوضحه ولخصه فجمعهما جميعا إسناد [ ص: 402 ] واحد، حتى لم يدع لمتأول فيه مقالا، فأخبر أنه رؤية العيان نصا كما توهم هؤلاء الذين سميتهم بجهلك مشبهة، فالتفسير فيه مأثور مع الحديث؛ وأنت تفسره بخلاف ما فسره الرسول صلى الله عليه وسلم من غير أثر تأثره عمن هو أعلم منك فأي شقي من الأشقياء، وأي غوي من الأغوياء يترك تفسير الرسول صلى الله عليه وسلم المقرون بحديثه المعقول عند العلماء الذي يصدقه ناطق الكتاب، ثم يقبل تفسيرك المحال الذي لا تأثره إلا عن من هو أجهل منك وأضل. المريسي:
أليس قد أقررت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: يعني معاينة، قلت: وإنما قال النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه لا تشكون يوم القيامة في ربوبيته، وهذا التفسير مع ما فيه من معاندة الرسول محال باطل خارج عن المعقول لأن الشك في ربوبية الله زائل عن [ ص: 403 ] المؤمن والكافر يوم القيامة، وكل مؤمن وكافر يعلم يومئذ أنه ربهم لا يعتريهم في ذلك شك فيقبل الله ذلك من المؤمن ولا يقبله من الكافرين، ولا يعذرهم يومئذ بمعرفتهم ويقينهم به، فما فضل المؤمن على الكافر يوم القيامة عندك في معرفة الرب، إذ مؤمنهم وكافرهم لا يعتريه في ربوبيته شك. "ترون ربكم لا تضامون فيه، كما لا تضامون في رؤية الشمس والقمر"
أو ما علمت أيها أنه من مات ولم يعرف قبل موته أن الله ربه في حياته حتى يعرفه بعد مماته فإنه يموت كافرا، ومصيره النار أبدا، ولن ينفعه الإيمان يوم القيامة بما يرى من آياته إن لم يكن آمن به من قبل، فما موضع بشرى رسول الله صلى الله عليه وسلم للمؤمنين برؤية ربهم يوم القيامة؛ إذ كل مؤمن وكافر في الرؤية يومئذ سواء عندك، إذ كل لا يعتريه فيه شك ولا ريبة؟ ! المريسي
أو لم تسمع أيها قول الله تعالى: المريسي ربنا أبصرنا وسمعنا فارجعنا نعمل صالحا إنا موقنون [السجدة: 12 ] ولو ترى إذ وقفوا على ربهم قال أليس هذا بالحق قالوا بلى وربنا [الأنعام: 30 ] فقد أخبر تعالى الكفار أنهم به يومئذ موقنون، فكيف المؤمنون أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الذين سألوه: وقد [ ص: 404 ] علموا قبل أن سألوه أن الله ربهم لا يعتريهم في ذلك شك ولا ريب، أو لم تسمع ما قال الله تعالى: "هل نرى ربنا تعالى"؟ ! يوم يأتي بعض آيات ربك لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرا [الأنعام: 158 ] يقال في تفسيره؛ إنه طلوع الشمس من مغربها فإذا [ ص: 405 ] لم ينفع الرجل إيمانه عند الآيات في الدنيا فكيف ينفعه يوم القيامة فيستحق به النظر إلى الله تعالى؟ ! فاعقل أيها ما يجلب عليك كلامك من الحجج الآخذة بحلقك ! المريسي
وأما إدخالك على رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما حقق من رؤية الرب تعالى يوم القيامة [قوله لا تدركه الأبصار [الأنعام: 103 ] ] فإنما يدخل على من عليه نزل، وقد عرف ما أراد الله تعالى به وعقل فأوضحه تفسيرا [وعبره تعبيرا ] ففسر الأمرين جميعا تفسيرا شافيا: "هل رأيت ربك" يعني في الدنيا فقال: "نور أنى أراه" أبو ذر: حدثنا [ ص: 406 ] سأله وغيره، عن الحوضي يزيد بن إبراهيم، عن عن قتادة عبد الله بن شقيق، عن عن النبي صلى الله عليه وسلم فهذا معنى [ ص: 407 ] قوله: أبي ذر، لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار [الأنعام: 103 ] في الحياة الدنيا، فحين سئل عن رؤيته في المعاد قال: "نعم جهرة كما ترى الشمس والقمر ليلة البدر" ففسر رسول الله صلى الله عليه وسلم المعنيين على خلاف ما ادعيت.