[ ص: 436 ] وهذا أيضا مما عظم فيه إنكار المدعين للجمع بين الشريعة والفلسفة كالقاضي فإنه قال في كتابه الذي سماه "مناهج الأدلة في الرد على الأصولية" وقال ما ذكرناه عنه قبل هذا في "مسائل الجسم" و "مسألة الجهة" وزعم ما ذكرناه عنه -إلى قوله- (ولذلك اضطررنا نحن أيضا إلى وضع قول في موافقة الحكمة للشريعة ) قال: (وإذا تبين هذا فلنرجع إلى حيث كنا فنقول: إن الذي بقي علينا من هذا الجزء ومن المسائل المشهورة هي "مسألة الرؤية" فإنه قد يظن أن هذه المسألة هي بوجه ما داخلة في هذا [ ص: 437 ] الجزء -أعني في الجزء المتقدم، يعني جزء التنزيه فإنه تكلم في التنزيه بعد تكلمه في الصفات الثبوتية وقال: فإنه قد يظن أن هذه المسألة هي بوجه ما داخلة في هذا الجزء المتقدم- لقوله تعالى: أبي الوليد بن رشد الحفيد، لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار [الأنعام: 103 ]؛ ولذلك أنكرها المعتزلة وردت الآثار الواردة في الشرع بذلك مع كثرتها وشهرتها، فشنع الأمر عليهم، والسبب في وقوع هذه الشبهة في الشرع أن المعتزلة لما اعتقدوا انتفاء الجسمية عنه سبحانه وتعالى، واعتقدوا وجوب التصريح بها لجميع المكلفين وجب عندهم إذ كل مرئي في جهة من الرائي، فاضطروا لهذا المعنى إلى رد الشرع المنقول، وأعلوا الأحاديث [ ص: 438 ] أنها أخبار آحاد، وأخبار الآحاد لا توجب العلم؛ مع أن ظاهر القرآن معارض لها، أعني قوله تعالى: إذا انتفت الجسمية أن تنتفي الجهة، وإذا انتفت الجهة انتفت الرؤية، لا تدركه الأبصار [الأنعام: 103 ].