وأيضا فإن أدلة المعقول الصريحة تجوز هذه الرؤية وإن لم يسلك في ذلك ما ذكره من المسالك الضعيفة: فإن تلك المسالك الضعيفة إنما ضعفت لأن أصحابها أثبتوا فاحتاجوا لذلك أن يحذفوا من الرؤية الشروط التي لا تتم الرؤية بدونها؛ [ ص: 453 ] لاعتقادهم امتناع تلك الشروط في حق الله تعالى. فأما إذا قيل إن الرؤية المعروفة يصح تعلقها بكل قائم بنفسه، وإن شرط فيها أن يكون المرئي بجهة من الرائي وأن يكون متحيزا وقائما بمتحيز كانت الأدلة العقلية على إمكان هذه الرؤية ما لا يمكن العقلاء أن يتنازعوا في جوازها، وإنما ينفيها من نفاها لظنه أن الله تعالى ليس فوق العالم، وأنه على اصطلاحهم ليس بجسم ولا متحيز ولا حال في المتحيز ونحو ذلك من الصفات السلبية التي ابتدعوها، مع مخالفتها لصحيح المنقول وصريح المعقول. رؤية ما ليس في جهة ولا هو متحيز ولا حال في متحيز،
والمقصود أن المنازعين للمؤسس يقولون له: نحن نثبت بالكتاب والسنة والإجماع، ونثبت بالأدلة العقلية الصريحة: إمكان رؤية الرب، ونثبت بالضرورة وبالنظر أن الرؤية لا تتعلق إلا بما يكون في اصطلاحهم في جهة، وإلا بما يكون متحيزا أو حالا في المتحيز، وإذا ثبت أن الرؤية لا تتعلق إلا بمتحيز أو حال في المتحيز مع أن المصحح لها هو الوجود وكماله ثبت أنه ليس في الموجودات ما لا يكون متحيزا ولا حالا في المتحيز، بل ثبت امتناع وجود ذلك. وهذا يبقي هذه الصفة في النفس وفي الملائكة وفي الرب سبحانه وتعالى، كما تقدم من الوجوه، وكما ذكروه من الضرورة العقلية؟ [ ص: 454 ]