فصل
قوله : ذلك أدنى أن يأتوا بالشهادة على وجهها أو يخافوا أن ترد أيمان بعد أيمانهم [المائدة :108] ، وهو -والله أعلم- من الرد بمعنى الترديد والتكرير ، كقول النبي صلى الله عليه وسلم في القرآن : » . أي تردد أيمان بعد أيمانهم ، ليس هو من الرد الذي هو رد اليمين ، كرد النبي صلى الله عليه وسلم اليمين على المدعى عليهم في القسامة لما امتنع المدعون من الأنصار ، وكالرد المختلف فيه ، لأنه هنا لم يحلف الأول فردت اليمين على الثاني ، فهو رجع لليمين الأول إلى الثاني ، وفي مسألة المحايدة قد حلف الأولون عند ظهور اللوث وحلف المدعون يمينا ثانية ، فهنا تكرير وهناك تحويل ، لكن يشتركان في معنى الرد الأصل . «لا يخلق عن كثرة الرد
فإنه كما أن الاشتقاق بحسب الحروف ينقسم إلى أكبر وأوسط وأصغر ، وهو ما اتحد فيه الحروف . . . . . . . . . ، فكذلك ينقسم بحسب المعاني إلى ما يتحد فيه المعنيان من كل وجه ، أعني في القدر المشترك ، كما في ضرب وضارب ، وإلى ما يتحدان في الأصل دون [ ص: 105 ] الوصف ، وإلى ما يتحدان في الجنس دون النوع . وهذا كثير لمن تأمله ، وعليه تنبني مسائل «الخصائص » و «ألفاظ القرآن » وغير ذلك ممن يحوم على أن يجعل أصل معنى الحروف شيئا واحدا ثم يفصله في تصاريفه . للراغب
فأصل «الرد » الرجع ، والرجع يقتضي تصييره إلى حال ثانية كان عليها ، فصار فيه معنى التثنية ، وصار الترديد والترجيع يعبر به عن التثنية ، كما في قوله : ارجع البصر كرتين [الملك :4] . فصارت الرجوع تارة يعتبر في ذات فقط وإن اختلفت محاله ، كرد اليمين ورد الفاضل عن الفروض . وتارة يعتبر فيه المحل وهو الأصل والأول إنما يسمى ردا بالتقييد ، كقوله : رده على هذا . ثم تارة يكون رده ثانيا مع بقاء الحال الأولى ، وتارة يكون مع بطلان الحال الأولى ، إما الموجودة وإما المقدرة ، فيكون الرد الذي هو خلاف القول من هذا الوجه ؛ لأن العمل كان قد ذهب إلى محل ، فرد عن ذلك المحل إلى صاحبه ، فمن يفهم هذا الباب يكون قد فهم ارتباط المعاني والحقائق التي هي مدلول الألفاظ وتناسبها ، كما أن فهم الأول يكون من معرفة ارتباط الحروف بعضها ببعض .