الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
وأيضا فإن الأذكار الواجبة كالأذان والتحية يجب اشتمالها على الشهادتين ، ولو عوض عن ذلك بالصلاة عليه لم يجز ، فكذلك هذا [ ص: 168 ] الذكر .

وأيضا فإن الشهادتين أصل الإيمان وفرعه ، وأول واجبات الدين وأعظمها ، وأما الصلاة عليه فمن فروع الشريعة التي هي زيادة في حقه ، فكيف يجزئ الاقتصار على هذا الفرع أو يكون هو الواجب في أمر الرسول دون الأصل الذي لا يتم الإيمان إلا به . . . . . . . ؟ ولو صلى الرجل عليه ولم يشهد له بالرسالة لم يكن مؤمنا ، ولو شهد له بالرسالة [ولم يصل عليه كان] مؤمنا .

وأيضا فالصلاة عليه من جنس الدعاء والأعمال ، لا من جنس العقائد والأصول الخبرية ، ولهذا كان شرعها مقرونا بالدعاء ، كما في الصلاة عليه أمام الدعاء في الصلاة وفي صلاة الجنازة ونحو ذلك . فأما أصول الكلام وقواعد الخطاب فإنما تشرع معها الشهادتان التي هي الفارقة بين أهل الإيمان وأهل الكفر ، وأهل الجنة وأهل النار ، وبين السعداء والأشقياء .

ثم هل تجب الصلاة عليه في الخطبة كما تجب في الصلاة عند من يقول بذلك ؟ هذا محل اجتهاد ، فيحتمل أن يقال به قياسا على الصلاة ، ويحتمل أن لا يقال به قياسا على الأذان . مع أن الخطب المنقولة عنه لم تشتمل إلا على الشهادتين ، وكذلك الخطبة التي علمها لأصحابه خطبة ابن مسعود ، وكذلك قوله : «كل خطبة ليس فيها تشهد فهي كاليد الجذماء » . [ ص: 169 ]

وهذا القول أقوى إن شاء الله ، فإن الخطبة هي مخاطبة الخطيب للمخطوبين ، ومقام المخاطبة للخلق لا يجب فيه الدعاء ، وإنما يجب الدعاء في مقام مخاطبة الخالق ومناجاته ، ولهذا شرعت الصلاة عليه في الصلاة دون الأذان . نعم إذا دعا الخطيب في خطبته فينبغي له أن يقرن دعاءه بالصلاة عليه ، كما قيل بمثل ذلك في الجنازة ، فتكون الصلاة عليه واجبة مع الدعاء لا دونه .

ولم يحضرني الساعة أثر فيه اقتران الحمد بالصلاة عليه فقط إلا في كتب المراسلات التي هي مأثورة عن الإمام أحمد وغيره ، ففيها : «من فلان إلى فلان ، فإنا نحمد إليكم الله الذي لا إله إلا هو ، وهو للحمد أهل وهو على كل شيء قدير ، ونسأله أن يصلي على محمد عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم تسليما » .

. . . . . . ففي هذه الرسائل ذكر الحمد لله والصلاة على رسول الله . . . . . . وشهادة [أن لا إله إلا الله وأن] محمدا عبده ورسوله ، . . . . للشهادة بالرسالة ، ويوافقه الحديث المرفوع في السنن : «ما اجتمع قوم مجلسا ثم تفرقوا عنه ، ولم يذكروا الله فيه ، ولم يصلوا على نبيهم ، [ ص: 170 ] إلا كان عليهم ترة » ففيه الجمع بين ذكر الله والصلاة على رسوله .

كما جاء في الحديث العمري موقوفا ومرفوعا وعن علي ، ولفظه : «الدعاء موقوف بين السماء والأرض حتى تصلي على نبيك » . ولو قيل مثل ذلك في الصلاة المكتوبة لكان حسنا ، الحديث المأثور يؤيد ذلك .

وأصل هذا أن مذهب الشافعي وأحمد وغيرهما أنه لا بد في الخطبة من ذكر الله وذكر رسوله ، ثم تكلموا في معنى ذكر الرسول بما فصلته . وكذلك يقال في ذكر الله أنه معنى الحمد لله ، لما رواه أبو داود في السنن عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : «كل كلام لا يبدأ فيه [ ص: 171 ] بحمد الله فهو أجذم » . ورواه أحمد وغيره ، وفي رواية : «كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه بالحمد لله فهو أجذم » . وكذلك خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم المنقولة عنه مفتتحة بحمد الله ، كما افتتح الله كتابه بذلك ، وجعل ذلك فاتحة الكتاب التي هي السبع المثاني .

التالي السابق


الخدمات العلمية