الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
وقد ابتدع الناس عند الذكر رفع أصوات وعند الجنائز أيضا ، وعند الحرب بوقات ودبادب ، وابتدعوا المكاء والتصدية المضارع للذكر ، وحصل عنده أصوات وحركات . ورخص في الصوت عند الفرح الشرعي ، واستحب عند النكاح لإعلانه .

فالذي يحصل من الرقص والحركات هو خلاف القصد في المشي ، والذي يحصل من الغناء والمزامير خلاف غض الصوت ولهذا [ ص: 85 ] يحصل بهذا خلاف ما ذكر الله في قوله : وإذا مروا باللغو مروا كراما والذين إذا ذكروا بآيات ربهم لم يخروا عليها صما وعميانا [الفرقان :72 - 73] ، فإنهم يصغون إلى اللغو ويخرون عند آيات الله صما وعميانا ، والصوت المطلق أو المتضمن لنوع تشويق أو تحزين أو تفريح أو تغضيب يوجب حركة مطلقة ، لا إلى معبود معين ولا لعبادة معينة ، فلذا تجد غالب المتنغمين للصوت المطلق أرباب حركة مطلقة ضالين ، لا يعرفون من يعبدون ولا بماذا يعبدون . لكن قد يحصل لهم تأثيرات شيطانية لاستفزاز الشيطان . فظهر بالانحراف اليهودي صوت الغضب بالحاجات العلمية ، وبالانحراف النصاري صوت بالمطربات الجالبة الخطأ لمعترض .

وأما سببه فقد يكون حركة حيوان ، وقد يكون حركة غير حيوان ، إما طبعية وإما قسرية ، ولكن القسرية الطبعية فرع الاختيارية ، فإن الحيوان . . . . . . . إلا عن حيوان .

يبين ذلك أنه لما حصل في المنحرفين إلى شبه من النصرانية التحرك عن الصوت المطلق ، سواء كان بالآيات أو بأبيات ، بل منهم من يرجح السماع لصوت الأبيات ، لما تتضمنه من مطلق وصف الشوق والوصل والهجر وأحوال الحب المطلق أو الحزن المطلق ، بل قد [ ص: 86 ] يرجح سماع الصوت المحض الذي لا حروف معه ، سواء كان صوت إنسان بمجرده أو مقترنا بالأبواق والصفارات والدفوف المصلصلة والأوتار وغير ذلك ، لما في الصوت من تحريكه وتهييجه والتذاذه به بحسب حاله ، كما يصيب المتحرك عن الشراب والطعام الجسماني من الخمر والحشيشة ، أو عن العيان النفساني في الشاهد ونحوه .

وهذا الانحراف إنما وقع في النصارى من الصابئة الفلاسفة الذين هم أئمة صناعة الصوت التي يسمونها الموسيقى ، دخل بسبب هذا القدر المشترك بينهم وبين الصائبة قوم من الصابئة في اسم التصوف ونحوه ، وقرروا الانحرافات الصابئية . قال الشافعي رضي الله عنه : خلفت ببغداد شيئا أحدثته الزنادقة يسمونه التغبير ، يصدون به الناس عن القرآن . فإن إحداث التغبير إنما هو من المتفلسفة الزنادقة ، ولهذا قال أبو عبد الرحمن السلمي في «مسألة السماع » عن ابن الراوندي أنه قال : اختلف الفقهاء في السماع هل هو حلال أو حرام ؟ وأنا أقول : هو واجب . وهذا قول الزنادقة كما ذكره الشافعي .

ولهذا قرر ابن سينا في الإشارات وغيره من المتفلسفة أمر سماع الألحان وعشق الصور ، وجعلوه من جملة الطريق التي توصل إلى الله [ ص: 87 ] وتزكي النفوس ، وهاتان الآفتان هي التي دخل بها الشيطان في المتصوفة ، كما قال : رأيت إبليس فقلت : يا عدو الله ، نجونا منك ، فإنا تركنا الدنيا التي تصطاد بها الناس ، أو كلاما هذا معناه . فقال : ولكن بقي لي فيكم لطيفة السماع وصحبة الأحداث .

لكن العقلاء إذا وقعوا في ذلك علموا أنه من هوى النفوس ، وأنه من الذنوب التي يجب على صاحبها التوبة والاستغفار .

التالي السابق


الخدمات العلمية