الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
والفرق بين سورتي البقرة وآل عمران أن البقرة جامعة لتقرير جنس الرسالة على الكافرين ، ولتقرير رسالة محمد وأصول شريعته على من كفر به من أهل الكتاب . وأما آل عمران فالمقصود الأكبر فيها تقرير رسالته على أهل الكتاب من اليهود والنصارى ، وكذلك سورة الأعراف أيضا ، مقصودها الأكبر تقرير الكتاب والرسالة ، جنس ذلك وعينه ، وذلك بين فيها ، وكذلك سورة يونس وهود والرعد وإبراهيم والحجر وسبحان والأنبياء وآل طسم وآل حم ويونس والحديد وغير ذلك من السور . [ ص: 207 ]

وذلك لأن المقصود الذي خلق له هو عبادة الله الجامعة لمعرفته بأسمائه وصفاته ، ومحبته والإنابة إليه ، وإخلاص الدين له ، والطريق إلى ذلك هم رسل الله تعالى ، فالإيمان بالله ورسوله هما المقصود والوسيلة ، وبدون أحدهما لا يحصل ذلك ، فمن أقر بالخالق ولم يؤمن بالرسل لم يعلم ما يحبه الله ويرضاه ويأمر به ، ولا ما يكرهه ويسخطه وينهى عنه ، ولم يعرف أيضا من أسمائه وصفاته ما لا يعرف إلا من الرسل ، سواء في ذلك العلوم والأعمال التي قد يعلمها الإنسان بعقله ، فإن هذا القسم ليس بينا في العقول ولا ظاهرا للناس ، ولا هو متفق عليه بين أرباب العقل العام ، بل من لم يهتد بنور الرسالة واكتفى فيه برأيه ورأي بني جنسه فإنه يقع في الشبهات والإشكالات والاختلاف والتفرق الذي لا يحيط به إلا الله تعالى ، كما نجده في الخارجين عن اتباع حقيقة الرسالة من المشركين والمجوس ، والمبدلين المبتدعين من الصابئين واليهود والنصارى والمسلمين ، وهم الذين تفرقوا على الأنبياء والرسل ، كما قال صلى الله عليه وسلم في الحديث المتفق عليه عن أبي هريرة : «ذروني ما تركتكم ، فإنما هلك من كان قبلكم بكثرة سؤالهم واختلافهم على أنبيائهم ، فإذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه ، وإذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم » .

وقد قال سبحانه في كتابه : ذلك بأن الله نزل الكتاب بالحق ، وإن الذين اختلفوا في الكتاب لفي شقاق بعيد [البقرة :176] . وقال تعالى : كان [ ص: 208 ] الناس أمة واحدة فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين وأنزل معهم الكتاب بالحق ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه وما اختلف فيه إلا الذين أوتوه من بعد ما جاءتهم البينات بغيا بينهم فهدى الله الذين آمنوا لما اختلفوا فيه من الحق بإذنه ، والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم [البقرة :213] .

وقال تعالى : تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض منهم من كلم الله ورفع بعضهم درجات وآتينا عيسى ابن مريم البينات وأيدناه بروح القدس ، ولو شاء الله ما اقتتل الذين من بعدهم من بعد ما جاءتهم البينات ولكن اختلفوا فمنهم من آمن ومنهم من كفر ولو شاء الله ما اقتتلوا ولكن الله يفعل ما يريد [البقرة :253] .

وقال تعالى : يا أيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحا إني بما تعملون عليم وإن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاتقون فتقطعوا أمرهم بينهم زبرا كل حزب بما لديهم فرحون [المؤمنون :51 - 53] .

التالي السابق


الخدمات العلمية