الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
فمعلوم بالعلم اليقين أن السيد المطاع الذي بعثه الله وأنزل إليه من الهداية والعلم والكلام ما يصلح به الناس أحق بأن يتبع ويطاع ويوالى وليه ويعادى عدوه ، وهم رسل الله المبعوثون إلينا لوجوه :

أحدها : أن هدايتهم وإرشادهم وأمرهم ونهيهم هو هداية الله [ ص: 147 ] وإرشاده وأمره ونهيه ، والله أعلم العالمين وأرحم الراحمين وأحكم الحاكمين . فالإسلام له وإسلام الوجه إليه أولى من الإسلام لغيره وإسلام الوجه إليه .

الثاني : أن هذه الهداية والرئاسة كاملة العلم ، ليس فيها نقص علمي ، كما يدخل النقص في سائر الرئاسات التي . . . . . الناس بآرائهم .

الثالث : أنها كاملة الرحمة ، لا تدع منفعة إلا جلبتها بحسب الإمكان ، ولا مضرة إلا دفعتها بحسب الإمكان ، بخلاف الرئاسات التي لا تكمل فيها رحمة الخلق ومحبة الخير ، بل يكون فيها كبر وقسوة . ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم : «ستكون نبوة ورحمة ، ثم تكون خلافة نبوة ورحمة ، ثم يكون ملك ورحمة ، ثم ملك وجبرية ، ثم ملك عضوض » .

الرابع : أنها كاملة الغنى ، قل لا أسألكم عليه أجرا [الأنعام :90] ، فليس فيها هوى نفس ، بخلاف الرئاسة التي فيها هوى ، إما هوى السلطان وإما هوى المال .

الخامس : أنها كاملة القدرة والسلطان ، فإن ناصرها ومؤيدها هو الله ، كما قال تعالى : إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا [ ص: 148 ] ويوم يقوم الأشهاد [غافر :51] ، كتب الله لأغلبن أنا ورسلي [المجادلة :21] .

فهذا بعض ما يبين أن العاقل عليه أن يجعل كل رئاسة وإمامة ، سواء كانت علمية كالفقه والكلام وغيرهما ، أو دينية كالفقر والتصوف والتعبد وغيرها ، أو حربية كالملك والإمرة ، أو مالية كالوزارة والخراج ، إلى غير ذلك ، يجعلها جميعها تابعة للكتاب والسنة ، ولا يتقدم بين يدي الله ورسوله في شيء من المراتب ، فذلك خير وأحسن تأويلا .

ولهذا أمر ولاة الأمر -وهم أرباب المراتب والرئاسات كائنة ما كانت- بالرد إلى ذلك ، وبين أن ذلك خير وأحسن عاقبة في قوله : يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا .

وهذا الذي ذكرناه تقرير لبعض مضمون هذه الآية .

التالي السابق


الخدمات العلمية