الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
وهذا الذي ذكرناه من ثبوت الإنعام بها من وجه وسلبه من وجه آخر مثل ما ذكره الله في قوله : فأما الإنسان إذا ما ابتلاه ربه فأكرمه ونعمه فيقول ربي أكرمن} وأما إذا ما ابتلاه فقدر عليه رزقه فيقول ربي أهانن كلا [الفجر :15 - 17] ، فأخبر أنه أكرمه وأنكر قول المبتلى «أكرمني » ، واللفظ الذي أخبر الله به مثل اللفظ الذي أنكره الله من كلام المبتلى ، لكن المعنى مختلف ، فإن المبتلى اعتقد أن هذا كرامة مطلقة ، وهي النعمة التي يقصد بها المنعم إكرام المنعم عليه ، والإنعام بنعمة لا يكون سببا لعذاب أعظم منها . وليس الأمر كذلك ، بل الله تعالى ابتلى بها ابتلاء ليتبين هل يطيعه فيها أم يعصيه ، مع علمه بما سيكون من الأمرين ، ولكن العلم بما سيكون شيء ، وكون الشيء والعلم به شيء . وأما قوله : فأكرمه ونعمه فإنه تكريم بما فيه من اللذات ، ولهذا قرنه بقوله : ونعمه .

ولهذا كانت خوارق العادات التي تسميها العامة كرامة ليست عند أهل التحقيق كرامة مطلقة ، بل في الحقيقة الكرامة هي لزوم الاستقامة ، [ ص: 246 ] وهي طاعة الله ، وإنما هي مما يبتلي الله بها عبده ، فإن أطاعه بها رفعه ، وإن عصاه بها خفضه ، وإن كانت من آثار طاعة أخرى ، كما قال تعالى : وألو استقاموا على الطريقة لأسقيناهم ماء غدقا لنفتنهم فيه ومن يعرض عن ذكر ربه يسلكه عذابا صعدا [الجن :16 - 17] .

التالي السابق


الخدمات العلمية