: فمعلوم بالعلم اليقين أن السيد المطاع الذي بعثه الله وأنزل إليه من الهداية والعلم والكلام ما يصلح به الناس أحق بأن يتبع ويطاع ويوالى وليه ويعادى عدوه ، وهم رسل الله المبعوثون إلينا لوجوه
أحدها : أن هدايتهم وإرشادهم وأمرهم ونهيهم هو هداية الله [ ص: 147 ] وإرشاده وأمره ونهيه ، والله أعلم العالمين وأرحم الراحمين وأحكم الحاكمين . فالإسلام له وإسلام الوجه إليه أولى من الإسلام لغيره وإسلام الوجه إليه .
الثاني : أن هذه الهداية والرئاسة كاملة العلم ، ليس فيها نقص علمي ، كما يدخل النقص في سائر الرئاسات التي . . . . . الناس بآرائهم .
الثالث : أنها كاملة الرحمة ، لا تدع منفعة إلا جلبتها بحسب الإمكان ، ولا مضرة إلا دفعتها بحسب الإمكان ، بخلاف الرئاسات التي لا تكمل فيها رحمة الخلق ومحبة الخير ، بل يكون فيها كبر وقسوة . ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم : » . «ستكون نبوة ورحمة ، ثم تكون خلافة نبوة ورحمة ، ثم يكون ملك ورحمة ، ثم ملك وجبرية ، ثم ملك عضوض
الرابع : أنها كاملة الغنى ، قل لا أسألكم عليه أجرا [الأنعام :90] ، فليس فيها هوى نفس ، بخلاف الرئاسة التي فيها هوى ، إما هوى السلطان وإما هوى المال .
الخامس : أنها كاملة القدرة والسلطان ، فإن ناصرها ومؤيدها هو الله ، كما قال تعالى : إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا [ ص: 148 ] ويوم يقوم الأشهاد [غافر :51] ، كتب الله لأغلبن أنا ورسلي [المجادلة :21] .
فهذا بعض ما يبين أن العاقل عليه أن يجعل كل رئاسة وإمامة ، سواء كانت علمية كالفقه والكلام وغيرهما ، أو دينية كالفقر والتصوف والتعبد وغيرها ، أو حربية كالملك والإمرة ، أو مالية كالوزارة والخراج ، إلى غير ذلك ، يجعلها جميعها تابعة للكتاب والسنة ، ولا يتقدم بين يدي الله ورسوله في شيء من المراتب ، فذلك خير وأحسن تأويلا .
ولهذا أمر ولاة الأمر -وهم أرباب المراتب والرئاسات كائنة ما كانت- بالرد إلى ذلك ، وبين أن ذلك خير وأحسن عاقبة في قوله : يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا .
وهذا الذي ذكرناه تقرير لبعض مضمون هذه الآية .