الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ومما ينبغي أن يعرف أن نفس علم التأويل ليس عاما في الدنيا والآخرة ، فإنه ما من شيء أخبرنا به في القرآن إلا ولا بد [أن] نعلمه . فقوله : وما يعلم تأويله إلا الله إذا وقف هنا لا يراد به : لا نعلمه مطلقا ؛ لأن الناس لا بد أن يعلموه في الآخرة ، حتى أن يروا ربهم في الدار الآخرة ، وهذا أكمل طرق العلم . [ ص: 157 ]

وأيضا فالملائكة تعلم من أحوال أنفسها وما وكلت من أمر الجنة والنار وغير ذلك ما هو من الأمور المخبر بها مما هو من تأويله كذلك ، فصار علم تأويله حاصلا لبعض الأصناف وفي بعض الأزمنة . . . . . . . لا يعلم به ، وهذا يقوي أن للمخلوق شيئا من علم تأويله في الجملة ، وإن عدم علم بعضهم أو العلم في بعض الأوقات فلا ينفيه مطلقا .

وأيضا فإن الله ذم متبعي المتشابه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله ، فالذم حصل بهذين الوصفين ، ولو كان علم التأويل مما قد أيس منه الخلق كلهم لكان طالبه مذموما وإن لم يبتغ الفتنة ، وكان في قلبه زيغ أو لم يكن . والذم إذا وقع على من يتبعه يبتغي هذا ويبتغي هذا ، ولا ريب أن هذا مذموم ، وذمه في ابتغاء تأويله لكونه متعذرا من غير جهة الراسخين في العلم ، وقد لا يجد الراسخين أو لا يكون منهم فلا يرى علمه .

وأيضا فهم يتبعون المتشابه أي يتحرونه ، كما في الحديث المتفق عليه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعائشة : «إذا رأيت الذين يتبعون ما تشابه منه فأولئك الذين سمى الله فاحذريهم » . وهذا صبيغ بن عسل الذي ضربه عمر ونفاه وأمر بهجره حتى مات بعد حول . وقد روي أنه سأل عن [ ص: 158 ] الذاريات ونحوها . وهذا قوي إذا جعل المتشابه من الأمور النسبية ، أو قد يتشابه على هذا ما لا يتشابه على غيره . وكلام الإمام أحمد في الرد على من تأول المتشابه على غير تأويله يوافق هذا ، فإن الآيات المذكورة إنما تشابهت على بعض الناس ، ولما تبين وجهها زال التشابه ، ومن فسر فقوله لآية بأنه من المتشابه قوبل هذا بأن القرآن كله محكم ، كما قال : أحكمت آياته ثم فصلت [هود :1] ، وهنا قد وصف بالإحكام بعضه ، كما أنه قد وصف كله بأنه متشابه ، وهنا وصف بالمتشابه بعضه ، فعلم أن لفظ المتشابه فيه نوع اشتراك وإجمال ، وكذلك لفظ الإحكام ، وقد قال في الآية الأخرى : فينسخ الله ما يلقي الشيطان ثم يحكم الله آياته .

التالي السابق


الخدمات العلمية