وقد أيضا ، بقوله : وصف المؤمنين بأنهم صابرون في البأساء والضراء وحين البأس ، والصابرون في النعماء إلا الذين صبروا وعملوا الصالحات [هود :11] . والصبر على السراء قد يكون أشد ، ولهذا قال من قال من الصحابة رضي الله عنهم : ابتلينا بالضراء فصبرنا ، وابتلينا بالسراء فلم نصبر . وكان النبي صلى الله عليه وسلم يستعيذ بالله من شر فتنة الغنى ، ومن شر [ ص: 252 ] فتنة الفقر ، وقال لأصحابه : » . وفي رواية : «فتلهيكم » . «والله ما الفقر أخشى عليكم ، ولكن أخشى عليكم أن تبسط عليكم الدنيا كما بسطت على من كان قبلكم ، فتنافسوها كما تنافسوها ، فتهلككم كما أهلكتهم
فمن لم يتصف بحقيقة الإيمان هو إما قادر وإما عاجز ، فإن كان قادرا أظهر ما في نفسه بحسب قدرته من الفواحش والإثم والبغي والإشراك بالله ، تكون الدنيا جنته بالنسبة إلى ذلك ، وذلك أن الكافر صاحب الإرادة الفاسدة إما قادر وإما عاجز ، فإن كان قادرا تعارضت إرادته حتى لا يمكنه الجمع بينها وبينها ، ومل حتى يقل التذاذه بها أو يعدم ، ولا يمكنه تركها . ولهذا تجد الملوك من الظالمين أعظم الناس ضجرا ومللا وطلبا لما يروحون به أنفسهم من مسموع ومنظور ومشموم ومأكول ومشروب ، ومع هذا فلا تطمئن قلوبهم بشيء من ذلك . هذا فيما ينالون به اللذة ، وأما ما يخافونه من الأعداء فهم أعظم الناس خوفا ، ولا عيشة لخائف . وأما العاجز منهم فهو في عذاب عظيم ، لا يزال في أسف على ما نابه وعلى ما أصابه .