ثم إنه قد أخبر أن
nindex.php?page=treesubj&link=30491_29674الإيمان والطاعة خير من الكفر والمعصية للعبد في الدنيا والآخرة ، وإن كان لجهله يظن أن ذلك خير له في الدنيا ، كما يقوله هؤلاء الذين فيهم شعبة وهل ونفاق ، الذين يقولون : إن المأمور به قد لا يكون فيه للعبد مصلحة ولا منفعة طول عمره ، بل يكون ذلك في المنهي عنه ، فقال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=216كتب عليكم القتال وهو كره لكم وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم ، والله يعلم وأنتم لا تعلمون [البقرة :216] .
وقال عن الذين اتبعوا ما تتلوا الشياطين على ملك سليمان ، الذين طلبوا ما في ذلك من نعيم الدنيا :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=102ولقد علموا لمن اشتراه ما له في الآخرة من خلاق ولبئس ما شروا به أنفسهم لو كانوا يعلمون [البقرة :102] . فأخبر أنهم يعلمون أن هذه الأمور لا تنفع بعد الموت ، بل لا يكون لصاحبها نصيب في الآخرة ، وإنما طلبوا بها منفعة الدنيا ، وقد يسمون ذلك العقل المعيشي ، أي العقل الذي يعيش به الإنسان في الدنيا عيشة طيبة .
[ ص: 261 ]
فقال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=103ولو أنهم آمنوا واتقوا لمثوبة من عند الله خير لو كانوا يعلمون [البقرة :103] . أخبر أن أولياءه :
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=63الذين آمنوا وكانوا يتقون [يونس :63] ، يثيبهم على ذلك ما هو خير لهم مما طلبوه في الدنيا لو كانوا يعلمون ، فيحصل لهم في الدنيا من الخير الذي هو المنفعة ودفع المضرة ما هو أعظم مما يحصلونه بذلك من خير الدنيا ، كما قال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=56وكذلك مكنا ليوسف في الأرض يتبوأ منها حيث يشاء نصيب برحمتنا من نشاء ولا نضيع أجر المحسنين [يوسف :56] ، ثم قال :
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=57ولأجر الآخرة خير للذين آمنوا وكانوا يتقون [يوسف :57] .
وقال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=147وما كان قولهم إلا أن قالوا ربنا اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا وثبت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=148فآتاهم الله ثواب الدنيا وحسن ثواب الآخرة ، والله يحب المحسنين [آل عمران :147 - 148] . وقال عن إبراهيم :
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=27وآتيناه أجره في الدنيا وإنه في الآخرة لمن الصالحين [العنكبوت :27] .
وقد قال تعالى ما يبين به أن فعل المكروه من المأمور به خير من تركه في الدنيا أيضا ، فقال :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=66ولو أنا كتبنا عليهم أن اقتلوا أنفسكم أو اخرجوا من دياركم ما فعلوه إلا قليل منهم ولو أنهم فعلوا ما يوعظون به لكان خيرا لهم وأشد تثبيتا nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=67وإذا لآتيناهم من لدنا أجرا عظيما nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=68ولهديناهم صراطا مستقيما [النساء :66 - 68] . وهذا في سياق حال :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=60الذين يزعمون [ ص: 262 ] أنهم آمنوا بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا به ويريد الشيطان أن يضلهم ضلالا بعيدا nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=61وإذا قيل لهم تعالوا إلى ما أنزل الله وإلى الرسول رأيت المنافقين يصدون عنك صدودا [النساء :60 - 61] .
وهؤلاء منافقون من أهل الكتاب والمشركين ، وحالهم أيضا شبيه بحال الذين نبذوا
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=101كتاب الله وراء ظهورهم كأنهم لا يعلمون nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=102واتبعوا ما تتلو الشياطين على ملك سليمان [البقرة :101 - 102] ، فإن أولئك عدلوا عما في كتاب الله إلى اتباع الجبت والطاغوت : السحر والشيطان ، وهذه حال الذين أوتوا نصيبا من الكتاب ، الذين يؤمنون بالجبت والطاغوت . وحال الذين يتحاكمون إلى الطاغوت من المظهرين للإيمان بالله ورسله ، فيها من حال هؤلاء بقدر ذلك . والطاغوت : كل معظم ومتعظم بغير طاعة الله ورسوله من إنسان أو شيطان أو شيء من الأوثان .
وهذه حال كثير ممن يشبه اليهود من المتفقهة والمتكلمة وغيرهم ممن فيه نوع نفاق من هذه الأمة ، الذين يؤمنون بما خالف كتاب الله وسنة رسوله من أنواع الجبت والطاغوت ، والذين يريدون أن يتحاكموا إلى غير كتاب الله وسنة رسوله . قال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=61وإذا قيل لهم تعالوا إلى ما أنزل الله وإلى الرسول رأيت المنافقين يصدون عنك صدودا nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=62فكيف إذا أصابتهم مصيبة بما قدمت أيديهم ثم جاءوك يحلفون [ ص: 263 ] بالله إن أردنا إلا إحسانا وتوفيقا [النساء :61 - 62] . أي هؤلاء لم يقصدوا ما فعلوه من العدول عن طاعة الله ورسوله إلى اتباع ما اتبعوه من الطاغوت ، إلا لما ظنوه من جلب المنفعة لهم ودفع المضرة عنهم ، مثل طلب علم وتحقيق كما يوجد في صنف المتكلمين ، ومثل طلب أذواق ومواجيد كما يوجد في صنف المتعبدين ، ومثل طلب شهوات ظاهرة وباطنة كما يوجد في صنف الذين يريدون العلو والذين يتبعون شهوات الغي . قال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=60ويريد الشيطان أن يضلهم ضلالا بعيدا [النساء :60] . أي ضلوا عن مطلوبهم الذي هو جلب المنفعة ودفع المضرة ، فإن ذلك إنما هو في طاعة الله ورسوله دون اتباع الطاغوت . فإذا عاقبهم الله بنقيض مقصودهم في الدنيا ، فأصابتهم مصيبة بما قدمت أيديهم قالوا : ما أردنا بما فعلنا إلا إحسانا وتوفيقا . أي أردنا الإحسان إلى نفوسنا لا ظلمها ، وتوفيقا أي جمعا بين هذا وهذا ، لنجمع الحقائق والمصالح . قال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=63أولئك الذين يعلم الله ما في قلوبهم [النساء :] من الاعتقادات الفاسدة والإرادات الفاسدة : الظن وما تهوى الأنفس
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=63فأعرض عنهم وعظهم وقل لهم في أنفسهم قولا بليغا [النساء :63] . ثم قال :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=64وما أرسلنا من رسول إلا ليطاع بإذن الله ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاءوك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله توابا رحيما [النساء :64] .
فدعاهم سبحانه بعد ما فعلوه من النفاق إلى التوبة ، وهذا من
[ ص: 264 ] رحمته بعباده ، يأمرهم قبل المعصية بالطاعة وبعد المعصية بالاستغفار ، وهو رحيم بهم في كلا الأمرين ، وأمره لهم بالطاعة أولا من رحمته ، وأمرهم ثانيا بالاستغفار من رحمته ، فهو سبحانه رحيم بالمؤمنين الذين أطاعوه أولا ، والذين استغفروه ثانيا . فإذا كان رحيما بمن يطيعه ، والرحمة توجب إيصال ما ينفعهم إليهم ودفع ما يضرهم عنهم ، كيف يكون المأمور به مشتملا على ضررهم دون منفعتهم ؟
وقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=64جاءوك المجيء إليه في حضوره معلوم كالدعاء إليه ، وأما في مغيبه ومماته فالمجيء إليه كالدعاء إليه والرد إليه ، قال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=61وإذا قيل لهم تعالوا إلى ما أنزل الله وإلى الرسول [النساء :61] ، وقال :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=59فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول [النساء :59] ، وهو الرد والمجيء إلى ما بعث به من الكتاب والحكمة . وكذلك المجيء إليه لمن ظلم نفسه هو الرجوع إلى ما أمره به ، فإذا رجع إلى ما أمره به فإن الجائي إلى النبي صلى الله عليه وسلم في حياته ممن ظلم نفسه يجيء إليه داخلا في طاعته راجعا عن معصيته ، كذلك في مغيبه ومماته . واستغفار الله موجود في كل مكان وزمان ، وأما استغفار الرسول فإنه أيضا يتناول الناس في مغيبه وبعد مماته ، فإنه أمر أن يستغفر للمؤمنين والمؤمنات ، وهو مطيع لله فيما أمره به . والتائب داخل في الإيمان ، إذ المعصية تنقص الإيمان ، والتوبة من المعصية تزيد في الإيمان بقدرها ، فيكون له من استغفار النبي صلى الله عليه وسلم بقدر ذلك .
فأما مجيء الإنسان إلى عند قبره ، وقوله : استغفر لي أو ادع لي ، أو
[ ص: 265 ] قوله في مغيبه : يا رسول الله ادع لي أو استغفر لي أو سل لي ربك كذا وكذا ، فهذا لا أصل له ، ولم يأمر الله بذلك ، ولا فعله أحد من الصحابة ولا سلف هذه الأمة المعروفين في القرون الثلاثة ، ولا كان ذلك معروفا بينهم ، ولو كان هذا مما يستحب لكان السلف يفعلون ذلك ، ولكان ذلك معروفا عنهم بل مشهورا بينهم ومنقولا عنهم ، فإن مثل هذا -إذا كان طريقا إلى غفران السيئات وقضاء الحاجات- مما تتوفر الهمم والدواعي على فعله وعلى نقله ، لا سيما فيمن كانوا أحرص الناس على الخير ، فإذا لم يعرف أنهم كانوا يفعلون ذلك ولا نقله أحد عنهم علم أنه لم يكن مما يستحب ويؤمر به . بل المنقول الثابت عنهم ما أمر به النبي صلى الله عليه وسلم من نهيه عن
nindex.php?page=treesubj&link=31796_32752اتخاذ قبره عيدا ووثنا ، وعن
nindex.php?page=treesubj&link=31796_28697اتخاذ القبور مساجد .
ثُمَّ إِنَّهُ قَدْ أَخْبَرَ أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=30491_29674الْإِيمَانَ وَالطَّاعَةَ خَيْرٌ مِنَ الْكُفْرِ وَالْمَعْصِيَةِ لِلْعَبْدِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ، وَإِنْ كَانَ لِجَهْلِهِ يَظُنُّ أَنَّ ذَلِكَ خَيْرٌ لَهُ فِي الدُّنْيَا ، كَمَا يَقُولُهُ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ فِيهِمْ شُعْبَةُ وَهَلٍ وَنِفَاقٍ ، الَّذِينَ يَقُولُونَ : إِنَّ الْمَأْمُورَ بِهِ قَدْ لَا يَكُونُ فِيهِ لِلْعَبْدِ مَصْلَحَةٌ وَلَا مَنْفَعَةٌ طُولَ عُمْرِهِ ، بَلْ يَكُونُ ذَلِكَ فِي الْمَنْهِيِّ عَنْهُ ، فَقَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=216كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ ، وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ [الْبَقَرَةِ :216] .
وَقَالَ عَنِ الَّذِينَ اتَّبَعُوا مَا تَتْلُوا الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ ، الَّذِينَ طَلَبُوا مَا فِي ذَلِكَ مِنْ نَعِيمِ الدُّنْيَا :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=102وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ [الْبَقَرَةِ :102] . فَأَخْبَرَ أَنَّهُمْ يَعْلَمُونَ أَنَّ هَذِهِ الْأُمُورَ لَا تَنْفَعُ بَعْدَ الْمَوْتِ ، بَلْ لَا يَكُونُ لِصَاحِبِهَا نَصِيبٌ فِي الْآخِرَةِ ، وَإِنَّمَا طَلَبُوا بِهَا مَنْفَعَةَ الدُّنْيَا ، وَقَدْ يُسَمُّونَ ذَلِكَ الْعَقْلَ الْمَعِيشِيَّ ، أَيِ الْعَقْلَ الَّذِي يَعِيشُ بِهِ الْإِنْسَانُ فِي الدُّنْيَا عِيشَةً طَيِّبَةً .
[ ص: 261 ]
فَقَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=103وَلَوْ أَنَّهُمْ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَمَثُوبَةٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ خَيْرٌ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ [الْبَقَرَةِ :103] . أَخْبَرَ أَنَّ أَوْلِيَاءَهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=63الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ [يُونُسَ :63] ، يُثِيبُهُمْ عَلَى ذَلِكَ مَا هُوَ خَيْرٌ لَهُمْ مِمَّا طَلَبُوهُ فِي الدُّنْيَا لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ ، فَيَحْصُلُ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا مِنَ الْخَيْرِ الَّذِي هُوَ الْمَنْفَعَةُ وَدَفْعُ الْمَضَرَّةِ مَا هُوَ أَعْظَمُ مِمَّا يُحَصِّلُونَهُ بِذَلِكَ مِنْ خَيْرِ الدُّنْيَا ، كَمَا قَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=56وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الأَرْضِ يَتَبَوَّأُ مِنْهَا حَيْثُ يَشَاءُ نُصِيبُ بِرَحْمَتِنَا مَنْ نَشَاءُ وَلا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ [يُوسُفَ :56] ، ثُمَّ قَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=57وَلأَجْرُ الآخِرَةِ خَيْرٌ لِلَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ [يُوسُفَ :57] .
وَقَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=147وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلا أَنْ قَالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=148فَآتَاهُمُ اللَّهُ ثَوَابَ الدُّنْيَا وَحُسْنَ ثَوَابَ الآخِرَةِ ، وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ [آلِ عِمْرَانَ :147 - 148] . وَقَالَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=27وَآتَيْنَاهُ أَجْرَهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ [الْعَنْكَبُوتِ :27] .
وَقَدْ قَالَ تَعَالَى مَا يُبَيِّنُ بِهِ أَنَّ فِعْلَ الْمَكْرُوهِ مِنَ الْمَأْمُورِ بِهِ خَيْرٌ مِنْ تَرْكِهِ فِي الدُّنْيَا أَيْضًا ، فَقَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=66وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُوا مِنْ دِيَارِكُمْ مَا فَعَلُوهُ إِلا قَلِيلٌ مِنْهُمْ وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=67وَإِذًا لآتَيْنَاهُمْ مِنْ لَدُنَّا أَجْرًا عَظِيمًا nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=68وَلَهَدَيْنَاهُمْ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا [النِّسَاءِ :66 - 68] . وَهَذَا فِي سِيَاقِ حَالِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=60الَّذِينَ يَزْعُمُونَ [ ص: 262 ] أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلالا بَعِيدًا nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=61وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُودًا [النِّسَاءِ :60 - 61] .
وَهَؤُلَاءِ مُنَافِقُونَ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ ، وَحَالُهُمْ أَيْضًا شَبِيهٌ بِحَالِ الَّذِينَ نَبَذُوا
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=101كِتَابَ اللَّهِ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ كَأَنَّهُمْ لا يَعْلَمُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=102وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ [الْبَقَرَةِ :101 - 102] ، فَإِنَّ أُولَئِكَ عَدَلُوا عَمَّا فِي كِتَابِ اللَّهِ إِلَى اتِّبَاعِ الْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ : السِّحْرِ وَالشَّيْطَانِ ، وَهَذِهِ حَالُ الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ ، الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ . وَحَالُ الَّذِينَ يَتَحَاكَمُونَ إِلَى الطَّاغُوتِ مِنَ الْمُظْهِرِينَ لِلْإِيمَانِ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ، فِيهَا مِنْ حَالِ هَؤُلَاءِ بِقَدْرِ ذَلِكَ . وَالطَّاغُوتُ : كُلُّ مُعَظَّمٍ وَمُتَعَظِّمٍ بِغَيْرِ طَاعَةِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ مِنْ إِنْسَانٍ أَوْ شَيْطَانٍ أَوْ شَيْءٍ مِنَ الْأَوْثَانِ .
وَهَذِهِ حَالُ كَثِيرٍ مِمَّنْ يُشْبِهُ الْيَهُودَ مِنَ الْمُتَفَقِّهَةِ وَالْمُتَكَلِّمَةِ وَغَيْرِهِمْ مِمَّنْ فِيهِ نَوْعُ نِفَاقٍ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ ، الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا خَالَفَ كِتَابَ اللَّهِ وَسُنَّةَ رَسُولِهِ مِنْ أَنْوَاعِ الْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ ، وَالَّذِينَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى غَيْرِ كِتَابِ اللَّهِ وَسُنَّةِ رَسُولِهِ . قَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=61وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُودًا nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=62فَكَيْفَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ ثُمَّ جَاءُوكَ يَحْلِفُونَ [ ص: 263 ] بِاللَّهِ إِنْ أَرَدْنَا إِلا إِحْسَانًا وَتَوْفِيقًا [النِّسَاءِ :61 - 62] . أَيْ هَؤُلَاءِ لَمْ يَقْصِدُوا مَا فَعَلُوهُ مِنَ الْعُدُولِ عَنْ طَاعَةِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى اتِّبَاعِ مَا اتَّبَعُوهُ مِنَ الطَّاغُوتِ ، إِلَّا لِمَا ظَنُّوهُ مِنْ جَلْبِ الْمَنْفَعَةِ لَهُمْ وَدَفْعِ الْمَضَرَّةِ عَنْهُمْ ، مِثْلَ طَلَبِ عِلْمٍ وَتَحْقِيقٍ كَمَا يُوجَدُ فِي صِنْفِ الْمُتَكَلِّمِينَ ، وَمِثْلَ طَلَبِ أَذْوَاقٍ وَمَوَاجِيدَ كَمَا يُوجَدُ فِي صِنْفِ الْمُتَعَبِّدِينَ ، وَمِثْلَ طَلَبِ شَهَوَاتٍ ظَاهِرَةٍ وَبَاطِنَةٍ كَمَا يُوجَدُ فِي صِنْفِ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْعُلُوَّ وَالَّذِينَ يَتَّبِعُونَ شَهَوَاتِ الْغَيِّ . قَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=60وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلالا بَعِيدًا [النِّسَاءِ :60] . أَيْ ضَلُّوا عَنْ مَطْلُوبِهِمُ الَّذِي هُوَ جَلْبُ الْمَنْفَعَةِ وَدَفْعُ الْمَضَرَّةِ ، فَإِنَّ ذَلِكَ إِنَّمَا هُوَ فِي طَاعَةِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ دُونَ اتِّبَاعِ الطَّاغُوتِ . فَإِذَا عَاقَبَهُمُ اللَّهُ بِنَقِيضِ مَقْصُودِهِمْ فِي الدُّنْيَا ، فَأَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ قَالُوا : مَا أَرَدْنَا بِمَا فَعَلْنَا إِلَّا إِحْسَانًا وَتَوْفِيقًا . أَيْ أَرَدْنَا الْإِحْسَانَ إِلَى نُفُوسِنَا لَا ظُلْمَهَا ، وَتَوْفِيقًا أَيْ جَمْعًا بَيْنَ هَذَا وَهَذَا ، لِنَجْمَعَ الْحَقَائِقَ وَالْمَصَالِحَ . قَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=63أُولَئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللَّهُ مَا فِي قُلُوبِهِمْ [النِّسَاءِ :] مِنَ الِاعْتِقَادَاتِ الْفَاسِدَةِ وَالْإِرَادَاتِ الْفَاسِدَةِ : الظَّنُّ وَمَا تَهْوَى الْأَنْفُسُ
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=63فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ قَوْلا بَلِيغًا [النِّسَاءِ :63] . ثُمَّ قَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=64وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهِ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهِ تَوَّابًا رَحِيمًا [النِّسَاءِ :64] .
فَدَعَاهُمْ سُبْحَانَهُ بَعْدَ مَا فَعَلُوهُ مِنَ النِّفَاقِ إِلَى التَّوْبَةِ ، وَهَذَا مِنْ
[ ص: 264 ] رَحْمَتِهِ بِعِبَادِهِ ، يَأْمُرُهُمْ قَبْلَ الْمَعْصِيَةِ بِالطَّاعَةِ وَبَعْدَ الْمَعْصِيَةِ بِالِاسْتِغْفَارِ ، وَهُوَ رَحِيمٌ بِهِمْ فِي كِلَا الْأَمْرَيْنِ ، وَأَمْرُهُ لَهُمْ بِالطَّاعَةِ أَوَّلًا مِنْ رَحْمَتِهِ ، وَأَمْرُهُمْ ثَانِيًا بِالِاسْتِغْفَارِ مِنْ رَحْمَتِهِ ، فَهُوَ سُبْحَانُهُ رَحِيمٌ بِالْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ أَطَاعُوهُ أَوَّلًا ، وَالَّذِينَ اسْتَغْفَرُوهُ ثَانِيًا . فَإِذَا كَانَ رَحِيمًا بِمَنْ يُطِيعُهُ ، وَالرَّحْمَةُ تُوجِبُ إِيصَالَ مَا يَنْفَعُهُمْ إِلَيْهِمْ وَدَفْعَ مَا يَضُرُّهُمْ عَنْهُمْ ، كَيْفَ يَكُونُ الْمَأْمُورُ بِهِ مُشْتَمِلًا عَلَى ضَرَرِهِمْ دُونَ مَنْفَعَتِهِمْ ؟
وَقَوْلُهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=64جَاءُوكَ الْمَجِيءُ إِلَيْهِ فِي حُضُورِهِ مَعْلُومٌ كَالدُّعَاءِ إِلَيْهِ ، وَأَمَّا فِي مَغِيبِهِ وَمَمَاتِهِ فَالْمَجِيءُ إِلَيْهِ كَالدُّعَاءِ إِلَيْهِ وَالرَّدِّ إِلَيْهِ ، قَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=61وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ [النِّسَاءِ :61] ، وَقَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=59فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ [النِّسَاءِ :59] ، وَهُوَ الرَّدُّ وَالْمَجِيءُ إِلَى مَا بُعِثَ بِهِ مِنَ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ . وَكَذَلِكَ الْمَجِيءُ إِلَيْهِ لِمَنْ ظَلَمَ نَفْسَهُ هُوَ الرُّجُوعُ إِلَى مَا أَمَرَهُ بِهِ ، فَإِذَا رَجَعَ إِلَى مَا أَمَرَهُ بِهِ فَإِنَّ الْجَائِيَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَيَاتِهِ مِمَّنْ ظَلَمَ نَفْسَهُ يَجِيءُ إِلَيْهِ دَاخِلًا فِي طَاعَتِهِ رَاجِعًا عَنْ مَعْصِيَتِهِ ، كَذَلِكَ فِي مَغِيبِهِ وَمَمَاتِهِ . وَاسْتِغْفَارُ اللَّهِ مَوْجُودٌ فِي كُلِّ مَكَانٍ وَزَمَانٍ ، وَأَمَّا اسْتِغْفَارُ الرَّسُولِ فَإِنَّهُ أَيْضًا يَتَنَاوَلُ النَّاسَ فِي مَغِيبِهِ وَبَعْدَ مَمَاتِهِ ، فَإِنَّهُ أُمِرَ أَنْ يَسْتَغْفِرَ لِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ، وَهُوَ مُطِيعٌ لِلَّهِ فِيمَا أَمَرَهُ بِهِ . وَالتَّائِبُ دَاخِلٌ فِي الْإِيمَانِ ، إِذِ الْمَعْصِيَةُ تُنْقِصُ الْإِيمَانَ ، وَالتَّوْبَةُ مِنَ الْمَعْصِيَةِ تَزِيدُ فِي الْإِيمَانِ بِقَدْرِهَا ، فَيَكُونُ لَهُ مِنَ اسْتِغْفَارِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَدْرِ ذَلِكَ .
فَأَمَّا مَجِيءُ الْإِنْسَانِ إِلَى عِنْدِ قَبْرِهِ ، وَقَوْلُهُ : اسْتَغْفِرْ لِي أَوِ ادْعُ لِي ، أَوْ
[ ص: 265 ] قَوْلُهُ فِي مَغِيبِهِ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ادْعُ لِي أَوِ اسْتَغْفِرْ لِي أَوْ سَلْ لِي رَبَّكَ كَذَا وَكَذَا ، فَهَذَا لَا أَصْلَ لَهُ ، وَلَمْ يَأْمُرِ اللَّهُ بِذَلِكَ ، وَلَا فَعَلَهُ أَحَدٌ مِنَ الصَّحَابَةِ وَلَا سَلَفِ هَذِهِ الْأُمَّةِ الْمَعْرُوفِينَ فِي الْقُرُونِ الثَّلَاثَةِ ، وَلَا كَانَ ذَلِكَ مَعْرُوفًا بَيْنَهُمْ ، وَلَوْ كَانَ هَذَا مِمَّا يُسْتَحَبُّ لَكَانَ السَّلَفُ يَفْعَلُونَ ذَلِكَ ، وَلَكَانَ ذَلِكَ مَعْرُوفًا عَنْهُمْ بَلْ مَشْهُورًا بَيْنَهُمْ وَمَنْقُولًا عَنْهُمْ ، فَإِنَّ مِثْلَ هَذَا -إِذَا كَانَ طَرِيقًا إِلَى غُفْرَانِ السَّيِّئَاتِ وَقَضَاءِ الْحَاجَاتِ- مِمَّا تَتَوَفَّرُ الْهِمَمُ وَالدَّوَاعِي عَلَى فِعْلِهِ وَعَلَى نَقْلِهِ ، لَا سِيَّمَا فِيمَنْ كَانُوا أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى الْخَيْرِ ، فَإِذَا لَمْ يُعْرَفُ أَنَّهُمْ كَانُوا يَفْعَلُونَ ذَلِكَ وَلَا نَقَلَهُ أَحَدٌ عَنْهُمْ عُلِمَ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مِمَّا يُسْتَحَبُّ وَيُؤْمَرُ بِهِ . بَلِ الْمَنْقُولُ الثَّابِتُ عَنْهُمْ مَا أَمَرَ بِهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ نَهْيِهِ عَنِ
nindex.php?page=treesubj&link=31796_32752اتِّخَاذِ قَبْرِهِ عِيدًا وَوَثَنًا ، وَعَنِ
nindex.php?page=treesubj&link=31796_28697اتِّخَاذِ الْقُبُورِ مَسَاجِدَ .