وأما ، ومن سوغ التجارة فيها نقدا طلبت النفوس التجارة فيها نساء كما تقدم في النقدين ، وإن لم يشترطوا ذلك بل قد يتعاقدان على الحلول . ربا الفضل فإذا باع حنطة بحنطة خير منها مد بمدين ، كان هذا تجارة فيها
والعادة جارية بأنك تصبر علي كما هو الواقع في كثير من السلع ، وكما يفعل أرباب الحيل ، يطلقون العقد وقد تواطأوا على أمر آخر ، كما يطلقون عقد نكاح التحليل وقد اتفقوا على أنه يطلق ، ويطلقون البيع على بيع الفضة بالفضة وقد اتفقوا على أنه باذل عنها ذهبا ، واتفقوا على أنه يبيعه السلعة إلى أجل وقد اتفقوا على أنه يعيدها إليه بدون ذلك الثمن ، ومثل ذلك كثير .
كذلك يطلقون بيع الدراهم بالدراهم على أنها حالة ، ويؤخر الطلب لأجل الربح . فكان يحرم ربا الفضل ؛ لأنه ذريعة إلى ربا النساء ، كما جاءت هذه العلة منصوصة عن النبي صلى الله عليه وسلم : » ، وإلا فمعلوم أنه مع استواء الصفات لا يبيع أحد مد حنطة أو تمر مدا بمد يدا بيد ، هذا لا يفعله أحد . وإنما يفعل هذا عند اختلاف الصفات ، مثل أن يكون هذا جيدا وهذا رديئا ، أو هذا جديدا وهذا عتيقا ، وإذا اختلفت الصفات فهي [ ص: 290 ] مقصودة ، ولهذا يجب له في القرض مثل ما أقرضه على صفته ، وكذلك في الإتلاف ، لأنه في القرض لم يقصد البيع ، وإنما قصد نفعه ، فهو بمنزلة العارية . ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم : «لا تبيعوا الدرهم بالدرهمين ، فإني أخاف عليكم الرماء ، والرماء هو الربا » ، ويقال فيه : أعرني دراهمك ، فهو يستعير تلك الدراهم ينتفع بها مدة ثم يردها ، وعينها ليست مقصودة ، ويرد جنسها ، كما في القراض يرد رأس المال ، ثم يقتسمان الربح ، وعين ما أعطاه ليس مقصودا ، بل المقصود الجنس . فهذه أمور معقولة جاءت بها الشريعة في مصالح الناس . «منيحة الورق
ولما خفيت أباحه مثل علة تحريم الربا حبر الأمة ومثل ابن عباس ، فإن الحنطة الجيدة والتمر الجيد يقال لصاحبه : ألغ صفات مالك الجيدة ، لكن لما كان المقصود أنك لا تتجر فيها لجنسها ، بل إن بعتها لجنسها فلتكن بلا ربح ولا إلى أجل ظهرت الحكمة ، فإن التجارة في بيعها لجنسها تفسد مقصود الأقوات على الناس . وهذا المعنى ظاهر في بيع الدراهم بالدراهم ، وفي بيع التبر بالدراهم ، لأن التبر ليس فيه صنعة تقصد لأجلها ، فهو بمنزلة الدراهم التي قصد أن لا تفضل على جنسها ، ولهذا جاء في الحديث : ابن مسعود » . [ ص: 291 ] «تبره وعينه سواء