، بل يعد بالتوبة ، فإذا أطلق عاد . قال تعالى : ومن المذنبين من لا يتوب توبة صادقة بعد معاينة عذاب الآخرة ، فكيف بعذاب الدنيا ولو ترى إذ وقفوا على النار فقالوا يا ليتنا نرد ولا نكذب بآيات ربنا ونكون من المؤمنين [الأنعام :27] . قال الله تعالى : بل بدا لهم ما كانوا يخفون من قبل ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه وإنهم لكاذبون [الأنعام :28] . فهؤلاء قد عاينوا العذاب وتمنوا الرد ، وقالوا : إنهم لا يكذبون بآيات ربهم ويكونون من المؤمنين ، وقد كذبهم الله في ذلك فقال : ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه وإنهم لكاذبون .
وهذا يبين أن قوله : ولا نكذب و ونكون إخبار منهم عن أنفسهم ، وجواب تمنيهم ليس هو مما تمنوه ، كأنهم قالوا : يا ليتنا نرد فنكون حينئذ مؤمنين لا مكذبين . وجواب النهي في لغة العرب يكون بالواو والفاء . فما كل من ذكر أنه تائب عند معاينة العذاب يصدق في بقائه تائبا ، كآل فرعون ، وهذا موجود في الناس كثيرا عند الشدائد يتوبون وينذرون ، ثم إذا زالت الشدة منهم من يوفي بتوبته ونذره ، ومنهم [ ص: 387 ] من لا يوفي بذلك . قال تعالى : ومنهم من عاهد الله لئن آتانا من فضله لنصدقن ولنكونن من الصالحين فلما آتاهم من فضله بخلوا به وتولوا وهم معرضون فأعقبهم نفاقا في قلوبهم إلى يوم يلقونه بما أخلفوا الله ما وعدوه وبما كانوا يكذبون [التوبة :75 - 77] .
فهذا النفاق الذي حصل في قلوب هؤلاء قد أخبر الله أنه باق إلى يوم يلقونه ، وهذا قد يكون لأنهم لم يتوبوا منه توبة صادقة .