فمن اعتقد في هؤلاء أنهم من أوليائه المتقين وحزبه المفلحين وجنده الغالبين ، فهو من أضل العالمين ، وأبعدهم عن دين الإسلام ، الذي بعث به محمد عليه أفضل الصلاة والسلام ، ولكن التبست أحوالهم على كثير من الناس لما يرونه أحيانا من أحدهم من نوع مكاشفة وتصرف خارج عن العادة ، وهم في ذلك من جنس الكهان والسحرة التي كانت الشياطين تنزل عليهم . قال تعالى : هل أنبئكم على [ ص: 400 ] من تنزل الشياطين تنزل على كل أفاك أثيم [الشعراء :221 - 222] .
ولهذا لا يوجد من هؤلاء إلا من هو خارج عن الكتاب والسنة ، وإذا صدق مرة في مكاشفته فلا بد أن يكذب مرة أخرى ، وإن لم يتعمد هو الكذب لكن شيطانه الذي يلقي في قلبه ما يلقي وهو يكذب ، كما كان يجري لمثل عبد الله بن صياد الذي ظن بعض الصحابة أنه الدجال ولم يكن هو الدجال ، ولكن كان من جنس الكهان ، ولهذا لما خبأ له النبي صلى الله عليه وسلم سورة الدخان قال : «قد خبأت لك خبيئا » ، فقال : الدخ الدخ ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : «اخسأ فلن تعدو قدرك » . يريد : أنك من جنس الكهان الذي يقترن بأحدهم شيطان . وقال : «ما ترى ؟ » قال : أرى عرشا على الماء ، وذلك عرش الشيطان . وقال له : «ما يأتيك ؟ » قال : يأتيني صادق وكاذب .
وهؤلاء الذين يقترن بهم الجن في غير ما أمر الله به ورسوله ثلاثة أصناف بحسب قرنائهم من الجن :
فمنهم : من هو كافر وشيطانه كافر ، كاليونسية الذين ينشدون الكفريات ، كقولهم :
تعالوا نخرب الجامع  . . . ونجعل فيه خماره  [ ص: 401 ]     نخرب خشب المنبر 
 . . . ونجعل منه طنباره 
    ونحرق ورق المصحف 
 . . . ونجعل منه زماره 
    وننتف لحية القاضي 
 . . . ونجعل منه أوتاره 
وقولهم :
وأنا حميت الحمى وأنت سكنت فيه  . . .     وأنا تركت الخلائق في بحار التيه 
موسى على الطور لما خر لي ناجى  . . .     وصاحب يثرب أنا جبتوه حتى جا 
وقولهم :
أنت إله وأنا في جانبك رب  . . .     خلقك تعذب ، وخلقي ما عليهم ذنب 
وأمثال هذه الكفريات .
ومنهم : من يكون جنه فساقا ، كالذين يجتمعون اجتماعا محرما بالنسوان والمردان ، ويتواجدون في سماع المكاء والتصدية الذي يشبه سماع عباد الأوثان ، إذا كانوا مصدقين بتحريم ما حرمه الله ورسوله ، وفعلوا الكبائر مع اعتقاد تحريمها ، فهم فساق .
وصنف ثالث : جهال مبتدعون ، فيهم ديانة ، فيهم زهد وعبادة [ ص: 402 ] وتعظيم لدين محمد صلى الله عليه وسلم ، لا يختارون مخالفته ولا الخروج عن دينه وشريعته ، والتبست عليهم هذه الأحوال الشيطانية ، فظنوها كرامات الأولياء ، وأن من يحصل له من هذه الأحوال يكون من أولياء الله المتقين . ولو أنهم علموا أنها مخالفة لأمر الله ورسوله لم يدخلوا فيها ، لكن جهلوا ذلك ، فهؤلاء ضلال .
				
						
						
