وجعل من أمته أولي أمر يرجع الناس إليهم في صلاح دينهم [ ص: 409 ] ودنياهم ، إذ لا يقوم الدين والدنيا إلا بولاة أمورها . قال تعالى : يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا إلى قوله : هم المفلحون [آل عمران :102 - 104] .
فولاة أمور الدين [الذين] أمر الله أن يكونوا ولاة أمورهم ، الدعاة إلى الخير ، الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر ، هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق [التوبة :33] ، هو الذي أرسل الله به الرسل ، وأنزل به الكتب ، وجعل نعت هذه الأمة التي هي خير أمة أخرجت للناس ، كما جعلهم شهداء على الناس . فلهم الشهادة في الخبر ، والإمامة في الطلب والإنشاء . والكلام إما إنشاء وإما إخبار ، وذلك هو الذي وصف القرآن حين قال : وأنزلنا إليك الكتاب بالحق مصدقا لما بين يديه من الكتاب ومهيمنا عليه [المائدة :48] ، وقال : إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل [النساء :58] .
ثم إنه قرن طاعته بطاعة رسوله ، فقال : يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا [النساء :59] . [فولي الأمر] منهم يطاع فيما أمر الله بطاعته ، وهو الأمر الذي يحتاج إليه فيه ، وكان ذلك قد اجتمع في الخلفاء الراشدين الذين نص رسول الله صلى الله عليه وسلم [ ص: 410 ] على اتباع سنتهم ، حيث قال صلى الله عليه وسلم : ، وإياكم ومحدثات الأمور ، فإن كل محدثة بدعة ، وإن كل بدعة ضلالة من يعش منكم بعدي فسيرى اختلافا كثيرا ، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين ، تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ » . «إنه