وأما أكثر من يترك واجبا في نفس الأمر أو يفعل محرما في نفس الأمر ، ولم تكن قد قامت عليه الحجة ، فلا يثبت في حقه حكم الوجوب والتحريم ؛ لأن الله يقول : وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا [الإسراء :15] .
ولو قيل لهذا المأموم : أنت تقول في هذا الإمام : «إن صلاته باطلة ، بمنزلة من صلى بغير وضوء وهو يعلم ذلك بخبثه وفسقه » ، فيقول : لا . ويقال له : هو مأجور على هذه الصلاة مثاب عليها ، قد برئت ذمته من [ ص: 446 ] الطلب [بها] أو هي ثابتة في [ذمته] عليه إعادتها ؟ فإن قال بالثاني فقد خالف إجماع الفقهاء ، وإن قال بالأول بطل قوله .
ويقال له : فإن قال بالثاني فقد كفر ، وإن قال بالأول علم أن من فعل ذلك فهو مقيم الصلاة . من صلى . . . . . . ولم يبسمل مثلا متأولا ، يلقى الله لقاء من أقام الصلاة أو لقاء من لم يصل صلاة أصلا ؟
ويقال له : من لم يصل أصلا هل يكون وليا لله ؟ فإن قال : نعم ، كان ضالا ، وإن قال : لا ، قيل له : فهل في هؤلاء أولياء الله ؟ فإن قال : نعم ، علم أن صلاتهم صحيحة لأجل التأويل والاجتهاد .
وسر المسألة أن ما تركوه إن لم يكن واجبا في نفس الأمر فلم يتركوا واجبا ، وإن كان واجبا فقد سقط عنهم باجتهادهم الذي استفرغوا فيه وسعهم ، وبلغوا فيه إلى حد يعجزون معه عن معرفة الوجوب ، فسقط عنهم ما عجزوا عن معرفته ، كما أسقطوا بالعجز عن فعله حينئذ ، فيكونون قد فعلوا الواجب ، فتكون صلاتهم صحيحة . وقد قال الله تعالى في القرآن في الدعاء المستجاب : ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا [البقرة :286] ، إذ قد ثبت في الصحيح : أن الله استجاب هذا الدعاء للنبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنين . وإذا كان الله قد رفع المؤاخذة عن المخطئ لم تبطل صلاته ، كما لا يؤاخذ به . [ ص: 447 ]
وطرد هذا إن كان ناسيا بحدثه ، ثم علمه بعد الصلاة ، فإنه لا إعادة على المأمومين عند مالك والشافعي ، كما روي عن وأحمد عمر وغيرهما . ونظير هذا سقوط الوضوء عمن عجز عنه لعدم الماء أو لضرورة ، إذا صلى بالتيمم فإنه يصح أن يأتم به المتوضئ عند الجماهير ، وعثمان كمالك والشافعي وأحمد وأبي حنيفة ، لحديث وأبي يوسف لما صلى بأصحابه في غزوة ذات السلاسل ، وفعله عمرو بن العاص أيضا . والله أعلم . ابن عباس