* الأصل الثاني: أن يعرف الإنسان أن بل ذلك أجل نعم الله عليه، وإنما حصل ذلك بسبب إرسال الرسل، وإنزال الكتب، ونقل الأمة ذلك، فما كل أحد يعرف هذا، وأما من يشهد ما في الإيمان من نعمة الدنيا، كجاهه وماله، فهذا لم يشكر على الإيمان، بل [ ص: 398 ] على دنيا حصلت بالإيمان. الإيمان والعمل الصالح من نعم الله عليه،
قال الله تعالى: ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي إلى قوله: وكذلك فتنا بعضهم ببعض ليقولوا أهؤلاء من الله عليهم من بيننا أليس الله بأعلم بالشاكرين [الأنعام: 52 – 53].
فأولئك المستضعفون عرفوا قدر النعمة بالإيمان والقرآن، وأما أولئك الملأ فكان ذلك عندهم ضررا وشرا، يبغضونه ولا يحبونه، فكيف يتصور أن يشكروا على ما هو عندهم من المكروهات المذمومات التي لا يدخل فيها إلا جاهل ضال؟ !
ولهذا قال الله: ألم تر إلى الذين بدلوا نعمت الله كفرا [إبراهيم: 28]، قال رضي الله عنه: «هم الأفجران من قريش: بني عبد مناف، وبني مخزوم». علي بن أبي طالب
والآية تتناول هؤلاء وغيرهم من الذين بدلوا نعمة الله -وهي محمد- والقرآن كفرا، فجعلوا هذه النعمة التي هي من أعظم النعم مصيبة على من دخل فيها أعظم المصائب، وكان شر الناس عندهم من تابع محمدا صلى الله عليه وسلم، يسعون في قتله وحبسه، أو نفيه وهجره، أو منعه ما يحتاج إليه، يمنعون نفعه بكل طريق، ويوصلون إليه الضرر بكل طريق؛ لظنهم أنه دخل فيما يضرهم [ ص: 399 ] ولا ينفعهم، إما بجهلهم بقدر ما جاء به الرسول، وإما بجحودهم وعنادهم، حسدا وبغيا وكبرا، فرأوا أن في متابعته زوال رياستهم التي هي أحب الأشياء إليهم، ورأوا أن ترك ذلك المحبوب هو مفارقة النعمة لا الدخول فيها، وقد قدمنا أن الشاكر هو في النور، وأن كافر النعمة في الظلمة.