اللهم إلا أن يدخل صاحبها بسببها في معاصي أعظم مما كان قبل ذلك، فتكون شرا عليه من جهة ما أصابه في دينه. فالمصائب رحمة ونعمة في حق عموم الخلق،
فإن من الناس من ومرض القلب، أو الكفر الظاهر، أو ترك بعض [ ص: 406 ] الواجبات، وفعل بعض المحرمات - ما يوجب له ضررا في دينه بحسب ذلك. فهذا كانت العافية خيرا له، من جهة ما أورثته المصيبة، لا من جهة نفس المصيبة، كما أن من أوجبت له المصيبة صبرا وطاعة كانت في حقه نعمة دينية. إذا ابتلي بفقر، أو مرض، أو جوع، حصل له من الجزع، والسخط، والنفاق،
فهي بعينها فعل الرب عز وجل رحمة للخلق، والله محمود عليها، فإن اقترن بها طاعة كان ذلك نعمة ثانية على صاحبها، وإن اقترن بها معصية كان ذلك من نفس صاحبها، وكان ذلك تحقيقا لما قدمناه أن ما ثم شر إلا الذنوب وعقوباتها.
* وأما الخير الذي يحصل للمؤمن بالمصيبة، فهذا مما تتنوع فيه أحوال الناس، كما تتنوع أحوالهم في العافية.
وقد قال تعالى: أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم مستهم البأساء والضراء وزلزلوا الآية [البقرة: 214]، وقال: والصابرين في البأساء والضراء وحين البأس [البقرة: 177]، وقال تعالى: ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات [البقرة: 155 – 156].
فقد أنكر سبحانه على من حسب أنهم يدخلون الجنة بدون الابتلاء بالبأساء وهي الفقر في الأموال، والضراء وهي المرض في الأبدان، وحين البأس والزلزال وهو الخوف من الأعداء.
قال تعالى: والصابرين في البأساء والضراء وحين البأس ، فجعل الصبر في [ ص: 407 ] هذه المواطن الثلاثة من تمام البر والتقوى الذي به يتم الإيمان، كقوله تعالى: ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب الآية [البقرة: 177]، وكذلك قوله تعالى في الآية الأخرى: وبشر الصابرين [البقرة: 155]، فالبشرى وقعت للصابرين.
وحصل له بعد ما كفر من خطاياه رحمة، وحصل له بثنائه على ربه صلاة ربه عليه، حيث قال: فمن ابتلي، فرزق الصبر، كان الصبر نعمة عليه في دينه، أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة [البقرة: 157]، فحصل له غفران السيئات، ورفع الدرجات، وهذا من أعظم النعم.
فمن قام بالصبر الواجب حصل له ذلك. فالصبر واجب على كل مصاب،
وأما الرضا، فمستحب في أصح القولين، فمن قام به كان ممن رضي الله عنهم ورضوا عنه، وقد قال «الرضا جنة الدنيا، وباب الله الأعظم». عبد الواحد بن زيد:
* ومن الواجبات التي قد تحصل بالمصيبة: التوبة؛ فإن الله يبتلي العباد [ ص: 408 ] بعذاب الدنيا ليتوبوا من ذنوبهم.
قال تعالى: ولنذيقنهم من العذاب الأدنى دون العذاب الأكبر لعلهم يرجعون [السجدة: 21]، وقال تعالى: وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير [الشورى: 30]، وقال تعالى: وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون [الأنفال: 33]، وقال تعالى: فما وهنوا لما أصابهم في سبيل الله وما ضعفوا وما استكانوا إلى قوله: والله يحب المحسنين [آل عمران: 146 – 148].
فمن رزقه الله التوبة بسبب المصيبة كان ذلك من أعظم نعم الله عليه.