التاسعة والثلاثون : وبأن خلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك .
الأربعون : وبأن الملائكة تستغفر لهم حتى يفطروا .
الحادية والأربعون : ويغفر لهم في آخر ليلة منه .
روى الأصبهاني في ترغيبه ، عن -رضي الله عنه- قال : قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : أبي هريرة خلوف فم الصائم أطيب عند الله من رائحة المسك ، وتستغفر لهم الملائكة حتى يفطروا ، وتصفد مردة الجن والشياطين ، فلا يصلون فيه إلى ما كانوا يصلون إليه ، ويزين الله تعالى جنته في كل يوم فيقول : يوشك عبادي الصالحون أن يلقوا عنهم المؤنة ، ويصيروا إليك ، ويغفر لهم في آخر ليلة من رمضان" فقالوا : يا رسول الله ، هي ليلة القدر قال : "لا ، ولكن العامل إنما يوفى أجره عند انقضاء عمله" "أعطيت في رمضان خمس خصال لم تعطهن أمة كانت قبلكم : .
الثانية والأربعون : وبالسحور .
روى عن مسلم -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال : عمرو بن العاص "فضل ما بين صيامنا وصيام أهل الكتاب أكلة السحور" .
الثالثة والأربعون : وبتعجيل الفطر .
روى أبو داود ، عن وابن ماجه ، -رضي الله عنه- قال : قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : أبي هريرة . "لا يزال هذا الدين ظاهرا ما عجل الناس الفطر ، إن النصارى واليهود يؤخرون"
الرابعة والأربعون : وبتحريم الوصال في الصوم ، وكان مباحا لمن قبلنا .
الخامسة والأربعون : وبإباحة الكلام في الصوم ، وكان محرما على من قبلنا فيه ، عكس الصلاة .
قال في شرح القاضي أبو بكر بن العربي الترمذي : فكانوا في حرج ، فأرخص الله لهذه الأمة بحذف نصف زمانها ، ونصف صومها ، وهو الإمساك عن الكلام ، ورخص لها فيه . كان من قبلنا من الأمم ، صومهم الإمساك عن الكلام ، مع الطعام والشراب ،
السادسة والأربعون : وبليلة القدر ، ولم تكن لمن قبلنا .
ذكره النووي في شرح المهذب ، قال : فيه
تعالى شرفا ، لم تكن لمن قبلنا ، هذا هو الصحيح المشهور الذي قطع به أصحابنا كلهم ، وجماهير العلماء ، وقاله الحافظ في الفتح ، وجزم بذلك ليلة القدر مختصة بهذه الأمة ، زادها الله [ ص: 351 ] وغيره من المالكية ، ونقله صاحب "العمدة" من الشافعية عن الجمهور ورجحه ، قال : ابن حبيب ، قال : ويراها من شاء الله تعالى من بني آدم ، كما تظاهرت عليه الأحاديث ، وأخبار الصالحين ، قال : وأما قول وسميت ليلة القدر أي : ليلة الحكم ، والفصل ، وقيل : لعظم قدرها ، المهلب بن أبي صفرة الفقيه المالكي : لا يمكن رؤيتها حقيقة ، فغلط . انتهى .
وقال في "الموطأ" : بلغني أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أري أعمار الناس قبله ، أو ما شاء الله من ذلك ، فكأنه تقاصر أعمار أمته أن لا يبلغوا من العمل الذي بلغ غيرهم في طول العمر ، فأعطاه الله تعالى ليلة القدر خيرا من ألف شهر . مالك
روى الديلمي عن -رضي الله عنه- قال : قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : أنس "إن الله وهب لأمتي ليلة القدر ، ولم يعطها أحدا ممن كان قبلكم" .
وروى عن ابن أبي حاتم -رضي الله عنه- قال : عروة ذكر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يوما أربعا من بني إسرائيل عبدوا الله تعالى ثمانين عاما لم يعصوه طرفة عين ، فعجب الصحابة من ذلك ، فأتاه جبريل ، فقال : قد أنزل الله تبارك وتعالى عليك خيرا من ذلك ليلة القدر خيرا من ألف شهر ، هذا أفضل من ذلك ، فسر بذلك رسول الله -صلى الله عليه وسلم- والناس معه .
وروى ابن جرير وابن المنذر من طرق ، عن وابن أبي حاتم رضي الله عنه ، مجاهد أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ذكر رجلا من بني إسرائيل كان يقوم الليل حتى يصبح ، ويجاهد القوم بالنهار حتى يمسي ، فعل ذلك ألف شهر ، فعجب المسلمون من ذلك فأنزل الله تعالى هذه الآية : ليلة القدر خير من ألف شهر [القدر 3] ، فقيام تلك الليلة خير من عمل ذلك الرجل ألف شهر .
قلت : أشار الحافظ في الفتح إلى تضعيف قول من قال : إنها خاصة بهذه الأمة ، قال : وعمدة من قال بهذا القول أثر إلى السابق ، وهو محتمل للتأويل فلا يدفع التصريح من حديث مالك عند أبي ذر قال : قلت : النسائي يا رسول الله أتكون مع الأنبياء ، فإذا ماتوا رفعت أم هي باقية إلى يوم القيامة ؟ قال : بل هي باقية إلى يوم القيامة .
قال شيخنا في شرح الموطأ : وهذا الحديث الذي ذكره أيضا محتمل التأويل ، وهو أن مراده هل يختص بزمن النبي -صلى الله عليه وسلم- أم ترفع بعد موته بقرينة مقابلة ذلك بقوله : أم هي باقية إلى يوم القيامة ، فلا يكون فيه معارضة لأثر الموطأ .
وقد ورد ما يعضده ، ففي فوائد أبي طالب المكي من حديث -رضي الله عنه- أنس "أن الله تعالى وهب لأمتي ليلة القدر ولم يعطها من كان قبلهم" .