فصل : وأما قول الشافعي : " افترض عليه أشياء خففها عن خلقه ليزيده بها - إن شاء الله تعالى - قربة ، وأباح له أشياء حظرها على خلقه زيادة في كرامته وتبيينا لفضيلته " .
وهذا صحيح أن الدين من وجهين : الله تعالى خص رسوله صلى الله عليه وسلم بالرسالة ، وفرض الطاعة : حتى يميز بهما على جميع المخلوقات ، وميزه عنهم في أحكام
أحدهما : تغليظ .
والآخر : تخفيف .
فأما التغليظ : فهو أن فرض عليه أشياء خففها عن خلقه ، وذلك لأمرين :
[ ص: 10 ] أحدهما : لعلمه بأنه أقوم بها منهم وأصبر عليها منهم .
والثاني : ليجعل أجره بها أعظم من أجورهم وقربه بها أزيد من قربهم .
وأما التخفيف : فهو أنه أباحه أشياء حظرها عليهم ، وذلك لأمرين :
أحدهما : لتظهر بها كرامته وتبين بها اختصاصه ومنزلته .
والثاني : لعلمه بأن ما خصه من الإباحة لا يلهيه عن طاعته ، وإن ألهاهم ولا يعجزه عن القيام بحقه ، وإن أعجزهم ليعلموا أنه على طاعة الله تعالى أقدر وبحقه أقوم ، فإن قيل : فقول الشافعي " ليزيده بها - إن شاء الله تعالى - قربة إليه " كان على شك فيه حتى استثنى بمشيئة الله تعالى .
قيل : ليست شكا وفيها لأصحابنا وجهان :
أحدهما : أنها تحقيق كقوله تعالى : ستجدني إن شاء الله من الصابرين [ الصافات : 102 ] .
والوجه الثاني : أنها بمعنى إذا شاء الله ، وتكون بمعنى إذ كما قال تعالى : لتدخلن المسجد الحرام إن شاء الله آمنين [ الفتح : 27 ] .