الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            مسألة : قال الشافعي : " والآية تدل على أنها على الأحرار بقوله تعالى أو ما ملكت أيمانكم وملك اليمين لا يكون إلا للأحرار الذين يملكون المال ، والعبد لا يملك المال " .

                                                                                                                                            [ ص: 168 ] قال الماوردي : وهذا صحيح . لا يحل للعبد أن ينكح أكثر من اثنتين على الشطر من استباحة الحر ، وبه قال من الصحابة : عمر ، وعثمان ، وعلي ، وعبد الرحمن بن عوف ، وزيد بن ثابت ، وعبد الله بن عمر .

                                                                                                                                            ومن التابعين : الحسن البصري ، وعطاء .

                                                                                                                                            ومن الفقهاء : أبو حنيفة ، وأهل العراق ، وأحمد ، وإسحاق .

                                                                                                                                            وقال مالك : العبد كالحر في الجمع بين أربع .

                                                                                                                                            وبه قال الزهري ، وربيعة ، والأوزاعي ، وأبو ثور ، وداود : استدلالا بعموم قوله تعالى : فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع [ النساء : 3 ] ولأنه لما كان لعان الحرائر أربعا مساواة بعدد من أبيح له من النساء ، ثم كان لعان العبد أربعا كالحر وجب أن يستبيح أربعا كالحر ، ولأن نكاح العبد أوسع من نكاح الحر : لأنه قد ينكح الأمة على الحرة ويجمع بين أمتين بخلاف الحر ، فلم يجز - وهو أوسع حكما - أن يضيق في العدد عن حكم الحر ، ولأنه لما كان العبد مساويا للحر في أعيان المحرمات وجب أن يساويه في أعداد المنكوحات .

                                                                                                                                            ودليلنا قوله تعالى : ضرب لكم مثلا من أنفسكم هل لكم من ما ملكت أيمانكم من شركاء في ما رزقناكم فأنتم فيه سواء [ الروم : 28 ] فدل على أن العبد غير مساو للحر ، ولأنه إجماع الصحابة من وجهين :

                                                                                                                                            أحدهما : أن عمر قال : يطلق العبد تطليقتين وينكح اثنتين وتعتد الأمة حيضتين ، وصرح بمثله من الصحابة من ذكرنا ، وليس فيهم مخالف .

                                                                                                                                            والثاني : ما رواه الليث بن أبي سليم عن الحكم بن عيينة قال : أجمع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عليه أن لا ينكح العبد أكثر من اثنتين . فثبت بهذين إجماع الصحابة على ما ذكرنا ، ولأن ما نقص في عدله ومعناه شاطر العبد فيه الحر كالحدود ، ولأنه لما نقص الأحرار فيما استباحوه من العدد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لبعضهم عنه ، وجب أن ينقص العبد فيه عن الحر لنقصه عنه .

                                                                                                                                            فأما استدلالهم بالآية فسياق الكلام من أوله إلى آخره متوجه إلى الأحرار دون العبيد : لأن قوله أوله : وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى [ النساء : 3 ] . متوجه إلى الأحرار : لأنهم يكونون على الأيتام ، وقوله : فانكحوا ما طاب لكم من النساء [ النساء : 3 ] . متوجه إلى الأحرار : لأن العبد لا يملك أن ينكح ما طاب لنفسه ، وقوله : فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة أو ما ملكت أيمانكم [ النساء : 3 ] متوجه إلى الأحرار : لأن العبد لا يملك .

                                                                                                                                            وأما استدلالهم باللعان فهو غير موضوع على التفاضل ولا هو العلة في عدد المنكوحات وإن اتفقا ، وإنما يجري مجرى اليمين عندنا والبينة عند غيرنا .

                                                                                                                                            [ ص: 169 ] وأما استدلالهم بأن حكم العبد في النكاح أوسع ، فالجواب عنه : أنه أوسع حكما فيما طريقه النقص ، وأضيق حكما فيما طريقه الكمال ، واستباحته للأمة نقص فاتسع حكمه فيه والعدد كمال فضاق حكمه فيه .

                                                                                                                                            وأما استدلالهم بأنه لما ساواه في أعيان المحرمات ، ساواه في عدد المنكوحات فباطل بأن النبي صلى الله عليه وسلم يساوي الأمة في أعيان المحرمات ولا يساويه في عدد المنكوحات ، فدل على أن التحريم متساو العدد متفاضل ، فإذا ثبت أن العبد لا ينكح أكثر من اثنتين فحكمه إن نكح ثلاثا كحكم الحر إذا نكح خمسا على ما بيناه وكذلك المدبر والمكاتب ومن رق بعضه ، والله أعلم .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية