فصل : وإن ، فهو على ضربين : كان هلاكها بالقتل دون الموت
أحدهما : أن تكون هي القاتلة . والضرب الثاني : أن يقتلها غيرها .
فإن قتلها غيرها فضربان :
أحدهما : أن ، فعليه مهرها حرة كانت أو أمة ، باتفاق جميع أصحابنا : لأن الحرة كالمقبوضة ، والأمة وإن كانت في حكم غير المقبوضة ، فقد استهلكها مستحق قبضها ، فلزمه مهرها كما يلزم مشتري السلعة إذا استهلكها في يد بائعها جميع ثمنها ، ويصير الاستهلاك قبضا كذلك القتل . يقتلها الزوج
والضرب الثاني : ، فحكم قتله لها في حق الزوجية حكم الموت ، فيكون لها المهر على مذهب أن يقتلها أجنبي غير الزوج الشافعي حرة كانت أو أمة ، وعلى مذهب أبي سعيد الإصطخري يكون لها المهر إن كانت حرة ، ولا يكون لها المهر إن كانت أمة .
وإن فقد قال كانت هي القاتلة لنفسها الشافعي في الأمة : أن لا مهر لها إذا قتلت نفسها أو قتلها غيرها .
وقال في الحرة : إن لها المهر إن قتلت نفسها فاختلف أصحابنا لاختلاف النص فيهما على وجهين :
أحدهما - وهو قول أبي العباس بن سريج - : أن اختلاف النص في الموضعين يوجب حملهما على اختلاف قولين : أحدهما : أنه لا مهر لها حرة كانت أو أمة : لأن الفسخ جائز من قبلها قبل الدخول ، فأسقط مهرها كالردة والرضاع .
[ ص: 173 ] وبه قال أبو حنيفة : لأنها فرقة وقعت بالموت ، وخالفت الرضاع والردة : لما فيهما من التهمة لاختيار الفرقة ، وأنه ليس في القتل تهمة باختيار الفرقة .
والوجه الثاني - وهو قول أبي إسحاق المروزي ، وأبي سعيد الإصطخري ، وأبي حامد المروزي - : أن الجواب على ظاهره فتكون لها المهر إن كانت حرة ، ولا يكون لها المهر إن كانت أمة ، وفرقوا بين الحرة والأمة من ثلاثة أوجه :
أحدها : ما قدمناه من فرق أبي سعيد الإصطخري أن الحرة في حكم المقبوضة : لأن الزوج يقدر على الاستمتاع بها متى شاء ، فصار التسليم من جهتها موجودا ، فاستحقت المهر بحدوث التلف والأمة بخلافها : لأن الزوج لا يقدر على الاستمتاع بها إذا شاء حتى يرضى السيد ، فصار التسليم من جهتها غير موجود فسقط المهر .
والفرق الثاني : أن المقصود من نكاح الحرة الألفة والمواصلة دون الوطء : لجواز عقده على من لا يمكن وطئها من صغيرة ورتقاء ، وذلك حاصل قبل الدخول فثبت لها المهر ، والمقصود من نكاح الأمة الوطء دون المواصلة : لأنه لا يجوز له أن يتزوجها إلا من خوف العنت ، وذلك غير حاصل له قبل الدخول فسقط المهر .
والفرق الثالث : أن الحرة قد تستنفد ميراثها ، فجاز أن يغرم مهرها ، والأمة لم تستنفد ميراثها فلم يغرم مهرها ، والله أعلم .