الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            مسألة : قال الشافعي : " وقال الله تعالى والذين هم لفروجهم حافظون [ المؤمنون : 5 ] الآية ، وفي ذلك دليل أن الله تبارك وتعالى الإبنان فعلي من تجب النفقة والإعفاف للأب أراد الأحرار : لأن العبيد لا يملكون ، وقال عليه السلام من باع عبدا وله مال ، فماله للبائع إلا أن يشترطه المبتاع فدل الكتاب والسنة أن العبد لا يملك مالا بحال ، وإنما يضاف إليه ماله ، كما يضاف إلى الفرس سرجه ، وإلى الراعي غنمه ( فإن قيل ) فقد روي عن ابن عمر - رضي الله عنه - : أن العبد يتسرى ( قيل ) وقد روي خلافه ، قال ابن عمر - رضي الله عنهما - : لا يطأ الرجل إلا وليدة : إن شاء باعها ، وإن شاء وهبها ، وإن شاء صنع بها ما شاء " .

                                                                                                                                            [ ص: 187 ] قال الماوردي : إنما أراد الشافعي بهذا هل للعبد أن يسرى وهو مبني على أن العبد هل يملك إذا ملك أم لا ؟ فلا يختلف الفقهاء أنه ما لم يملكه السيد لم يملك ، ويكون جميع ما يكتسبه من صيد أو إحشاش أو بصنعة أو عمل ملكا لسيده دونه ، وإن ملكه السيد فهل يملك أم لا ؟ على قولين :

                                                                                                                                            أحدهما : وهو قوله في القديم إنه يملك إذا ملك .

                                                                                                                                            وبه قال مالك وداود ، ثم اختلفوا في حكم ملكه ، على هذا القول ، فعلى مذهب الشافعي يكون ملكا ضعيفا ، لا يتحكم فيه إلا بإذن السيد وللسيد استرجاعه .

                                                                                                                                            وقال مالك : هو ملك قوي يتحكم فيه كيف شاء ، لكن للسيد استرجاعه .

                                                                                                                                            والقول الثاني - قاله الشافعي في الجديد - : أنه لا يملك إذا ملك .

                                                                                                                                            وبه قال أبو حنيفة ، وقد مضى توجيه القولين في كتاب " البيوع " .

                                                                                                                                            فإذا تقرر القولان ، وأراد العبد أن يتسرى بأمة ، فإن لم يملكه السيد إياها لم يكن له أن يطأها ، وإن أذن له السيد فيه : لأنه لا يحل لأحد أن يستبيح إلا وطء زوجة ، أو ملك يمين ، وليست هذه الأمة المأذون للعبد في وطئها زوجة له ، ولا ملك يمين ، فلم يحل له وطئها لمجرد الإذن ، كما لا يحل لغيره من الناس أن يطأها بإذن السيد ، وإن ملكه السيد إياها ، فعلى قوله في القديم يصير مالكا لها ، وليس له أن يطأها متسريا لها ما لم يأذن له السيد في وطئها ، وإن صار مالكا لها : لأنه ملك ضعيف ، فإن أذن له في وطئها جاز له حينئذ التسري بها ما لم يرجع السيد في ملكه أو إذنه .

                                                                                                                                            وروي عن ابن عباس أنه أجاز لعكرمة أن يتسرى بها بجارية أعطاه إياها وروي عن ابن عمر أن العبد يتسرى ، وإن رجع السيد في ملكه حرم على السيد أن يتسرى بها لزوال السبب الذي استباح به التسري ، فلو كان العبد قد أولدها صارت أم ولد له وحرم عليه بيعها ، فإن رجع السيد عليه بها جاز للسيد بيعها : لأنها صارت أم ولد في حق العبد لا في حق السيد . هذا كله حكم قوله في القديم .

                                                                                                                                            فأما على قوله في الجديد ، فلا يملكها العبد ، وإن ملكه السيد ، ولا يجوز له أن يتسرى بها وإن أذن له السيد ، والمروي عن ابن عباس : أنه أجاز لعكرمة أن يتسرى بجارية أعطاه إياها ، فالمروي خلافه ، وهو أنه كان قد زوجه بها ثم طلقها عكرمة بغير إذنه ، وكان ابن عباس رد طلاقا لا يقع بغير إذن سيده ، فأمره بالمقام عليها ، فكره عكرمة ذاك ، فأباحه أن يتسرى بها تطيبا لنفسه ومعتقدا أن الإباحة لعقد النكاح .

                                                                                                                                            وأما ابن عمر فقد روي عنه خلاف ما ذكر ، قال ابن عمر : لا يطأ الرجل إلا وليدة ، إن شاء باعها ، وإن شاء وهبها ، وإن شاء صنع بها ما شاء . يريد بذلك الأحرار دون العبيد لكن إن وطئها العبد على هذا القول ، فلا حد عليه لمكان الشبهة .

                                                                                                                                            [ ص: 188 ]

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية