[ ص: 251 ] باب النهي أن  يخطب الرجل على خطبة أخيه   
قال  الشافعي   ، رحمه الله تعالى : " أخبرنا  مالك بن أنس   عن  نافع   عن  ابن عمر   أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى الله عليه وسلم قال :  لا يخطب أحدكم على خطبة أخيه     .  وقال عليه الصلاة والسلام   لفاطمة بنت قيس     " إذا حللت فآذنيني " ، قالت : فلما حللت أخبرته أن  معاوية   وأبا جهم   خطباني ، فقال : " أما  معاوية   فصعلوك لا مال له ، وأما  أبو جهم   فلا يضع عصاه عن عاتقه ، انكحي  أسامة   فدلت خطبته على خطبتهما أنها خلاف الذي نهى عنه أن يخطب على خطبة أخيه إذا كانت قد أذنت فيه ، فكان هذا فسادا عليه ، وفي الفساد ما يشبه الإضرار ، والله أعلم ،  وفاطمة  لم تكن أخبرته أنها أذنت في أحدهما " .  
قال  الماوردي      : وهذا صحيح .  
وقد روى  ابن عمر   أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :  ولا يخطب أحدكم على خطبة أخيه  وروى  أبو الزناد   عن  الأعرج   عن  أبي هريرة   أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :  لا يخطب أحدكم على خطبة أخيه حتى ينكح أو يترك  وهذان الحديثان صحيحان ، وليس النهي فيهما محمولا على الظاهر من تغيير حال المخطوبة ، فإذا  خطب الرجل نكاح امرأة   لم يخل حالها من أربعة أقسام :  
القسم الأول : إما أن يأذن له في نكاحها فتحرم بعد إذنها على غيره من الرجال أن يخطبها : لنهيه صلى الله عليه وسلم عنه : حفظا للألفة ، ومنعا من الفساد ، وحسما للتقاطع ، وسواء كان الأول كفئا أو غير كفء .  
وقال  ابن الماجشون      : إن كان الأول غير كفء لم تحرم على غيره من الأكفاء خطبتها بناء على أصله في أن  نكاح غير الكفء   باطل ، وإن تراضى به الأهلون ، وقد تقدم الدليل على صحة نكاحه ، فإن رجع الأول عن خطبته أو رجعت المرأة عن إجابتها ارتفع حكم الإذن ، وعادت إلى الحال الأولى في إباحة خطبتها : لحديث  أبي هريرة   أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :  لا يخطب أحدكم على خطبة أخيه حتى ينكح أو يترك     .  
والقسم الثاني : أن ترد خاطبها ، وتمنع من نكاحه فيجوز لغيره من الرجال أن يخطبها :      [ ص: 252 ] لأن المقصود بالنهي عن الخطبة رفع الضرر ، والمنع من التقاطع ، فلو حمل النهي على ظاهره فيمن لم تأذن له حل الضرر عليها .  
والقسم الثالث : أن تمسك عن خطبتها ، فلا يكون منها إذن ولا رضا ، ولا يكون منها رد ولا كراهية ، فيجوز خطبتها وإن تقدم الأول بها : لحديث  فاطمة بنت قيس المخزومية  أن زوجها  أبا عمرو بن حفص   بت طلاقها ، فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم : إذا حللت فآذنيني ، فلما حلت جاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فقالت : يا رسول الله قد خطبني  معاوية   وأبو جهم   ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : أما  معاوية   فصعلوك لا مال له ، وأما  أبو جهم   فلا يضع عصاه عن عاتقه     .  
وروى  عطاء   عن  عبد الرحمن بن عاصم   عن   فاطمة بنت قيس  أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لها :  أما  أبو جهم   فأخاف عليك فسفاسته ، وأما  معاوية   فرجل أخلق من المال - أما الفسفاسة : فهي العصا ، وأما الأخلق من المال ، فهو الخلو منه - انكحي  أسامة بن زيد ،   قالت : فكرهته ، ثم أطعت رسول الله صلى الله عليه وسلم فنكحته فرزقت منه خيرا واغتبطت به  ، فكان الدليل من هذا الحديث من وجهين :  
أحدهما : أن أحد الرجلين قد خطبها بعد صاحبه فلم يذكر النبي صلى الله عليه وسلم تحريمه .  
والوجه الثاني : أن النبي صلى الله عليه وسلم قد خطبها  لأسامة   بعد خطبتها فدل على أن  الإمساك عن الإجابة لا يقتضي الخطبة      :  
والقسم الرابع : أن يظهر منها الرضا بالخاطب ، ولا تأذن في العقد ، وذلك بأن تقرر صداقها أو بشرط ما تريد من الشروط لنفسها ، ففي تحريم خطبتها قولان :  
أحدهما - وبه قال في القديم ، وهو مذهب  مالك      - : أنها تحرم خطبتها بالرضا : استدلالا بعموم النهي .  
والقول الثاني - وبه قال في الجديد - : أنه لا تحرم خطبتها بالرضا حتى تصرح بالإذن : لأن  الأصل إباحة الخطبة ما لم تتحقق شروط الحظر   ، فعلى هذا وإن اقترن برضاها إذن الولي فيه نظر : فإن كانت ثيبا لا تتزوج إلا بصريح الإذن لم تحرم خطبتها ، وإن كانت بكرا فيكون الرضا والسكوت منها إذنا حرمت خطبتها برضاها وإذن وليها ، وهاهنا قسم خامس : وهو أن يأذن وليها من غير أن يكون منها إذن أو رضا ، فإن كان هذا الولي ممن يزوج بغير إذن كالأب والجد مع البكر حرمت خطبتها بإذن الولي ، وإن كان ممن لا يزوج إلا بإذن لم تحرم خطبتها بإذن الولي حتى تكون هي الآذنة فيه .  
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					