الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            مسألة : قال الشافعي : " وهكذا الزوج وأبو الصبية البكر وورثة الزوجين أو أحدهما " .

                                                                                                                                            قال الماوردي : ذكر الشافعي هاهنا مسألتين ؛ إحداهما : في اختلاف الزوج والولي ، والثانية : في اختلاف ورثة الزوجين أو أحدهما وورثة الآخر .

                                                                                                                                            فأما المسألة الأولى : وهي اختلاف الزوج والولي ، فهذا على ضربين :

                                                                                                                                            أحدهما : أن تكون الزوجة وقت العقد جائزة الأمر بالبلوغ والعقل ، فلا اعتبار بقول الولي في تصديق أو تكذيب ، سواء كان الولي أبا أو عصبة ، وسواء كانت الزوجة بكرا أو ثيبا .

                                                                                                                                            فإن كانت الزوجة مصدقة لزوجها على قدر الصداق لم يؤثر فيه مخالفة الولي ، وإن كانت الزوجة مخالفة لزوجها في قدر الصداق لم يؤثر فيه تصديق الولي ، وكان للزوجين أن يتحالفا على ما مضى ، ولم يجز أن يكون الولي شاهدا للزوج فيما ادعاه من الصداق ؛ لأنه يشهد على فعل نفسه .

                                                                                                                                            والضرب الثاني : أن تكون الزوجة وقت العقد صغيرة ، فليس يصح أن يزوجها إلا أبوها أو جدها .

                                                                                                                                            فإذا اختلف الأب والزوج في قدر صداقها ، فهذا على ضربين :

                                                                                                                                            [ ص: 498 ] أحدهما : أن يكون ما ادعاه الأب هو قدر مهر المثل ، وما يقر به الزوج أقل ، فلا تحالف بينهما ، والقول فيه قول الأب بغير يمين ؛ لأنه لا يجوز للأب أن يزوج الصغيرة بأقل من مهر المثل ، ولو زوجها به لكان لها مهر المثل .

                                                                                                                                            والضرب الثاني : أن يكون ما ادعاه الأب أكثر من مهر المثل ، وما أقر به الزوج قدر مهر المثل ، فهاهنا يكون التحالف ، وإذا وجب التحالف فلا يخلو حال الزوجة وقت الاختلاف والتحالف من أحد أمرين :

                                                                                                                                            إما أن تكون على حال الصغر ، أو قد بلغت .

                                                                                                                                            فإن كانت صغيرة حلف الزوج ، وهل يحالفه الأب أو تكون اليمين موقوفة على بلوغ الزوجة ؟ على وجهين :

                                                                                                                                            أحدهما : أن الزوج إذا حلف لم يجز للأب أن يحلف معه ، ووقفت اليمين على بلوغ الزوجة بأمرين :

                                                                                                                                            أحدهما : أن النيابة في الأيمان لا تصح .

                                                                                                                                            والثاني : أن اليمين إنما وضعت لإثبات حق الحالف ، أو دفع مطالبة عنه ، وليس الأب بهذه المنزلة فلم يجز أن يحلف ، وتأول قائل هذا الوجه قول الشافعي " وكذلك الزوج وأبو الصبية " ، يعني في أنهما إذا اختلفا قدم الحاكم الزوج في إحلافه .

                                                                                                                                            والوجه الثاني - وهو قول أبي العباس بن سريج ، وأبي إسحاق المروزي ، والظاهر من نص الشافعي - : أنه يجوز للأب أن يحلف مع الزوج ؛ لأمرين :

                                                                                                                                            أحدهما : أنه مباشر للعقد ، فجاز أن يحلف على فعل نفسه ، وإن كان في حق غيره كالوكيل .

                                                                                                                                            والثاني - وأشار إليه ابن سريج - : أنه لما قبل إقراره فيه ، وإن كان في حق غيره جاز إحلافه فيه عند إنكاره .

                                                                                                                                            فعلى هذا إن حالف الأب الزوج حكم للزوجة بمهر المثل ، وإن نكل الأب عن اليمين ، ففيه وجهان :

                                                                                                                                            أحدهما : يحكم بنكوله ويقضى بالمهر الذي اعترف به الزوج إذا كان بقدر مهر المثل ؛ لأن من حكم بيمينه إذا حلف حكم بنكوله إذا نكل .

                                                                                                                                            والوجه الثاني : أنه لا يحكم بنكوله ؛ لما فيه من إسقاط حق الزوجة ، وتوقف اليمين على بلوغها ؛ لجواز أن يثبت بيمينها ما لا يثبته الولي فيحكم لها به .

                                                                                                                                            وإن كانت الزوجة وقت التحالف بالغة ، [ ص: 499 ] فإن قيل : إن الأب لا يجوز أن يحالف الزوج في حال صغرها فأولى ألا يحالفها في حال كبرها . وإذا قيل : له محالفة الزوج في حال صغرها ، فأيهما أحق بمحالفة الزوج ؟ فيه وجهان ، من اختلاف المعنيين في تعليل هذا الوجه :

                                                                                                                                            أحدهما : أن الأب المباشر للعقد هو المحالف للزوج ؛ لفضل مباشرته ، وتعليلا بقبول اعترافه .

                                                                                                                                            والوجه الثاني : أن الزوجة المالكة هي المحالفة للزوج دون الأب ؛ لاختصاصها بالملك ، وتعليلا بأن الأب نائب .

                                                                                                                                            وعلى الوجهين معا : لو امتنع الأب من اليمين ، جاز لها محالفة الزوج ، وإنما الوجهان : هل يجوز مع بلوغها أن يحلف الأب ؟ .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية