الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            مسألة : قال الشافعي : " ولو فوضا مع الخلع والفرقة إلى الحكمين الأخذ لكل واحد منهما من صاحبه كان على الحكمين الاجتهاد فيما يريانه أنه صلاح لهما بعد معرفة اختلافهما " .

                                                                                                                                            قال الماوردي : والكلام في هذه المسألة يشتمل على فصلين :

                                                                                                                                            أحدهما : على ما يتم به ولاية الحكمين .

                                                                                                                                            والثاني : ما يجوز أن يفعله الحكمان ، وما لا يجوز لهما فعله .

                                                                                                                                            فأما الفصل الأول فيما يتم به ولاية الحكمين فهو معتبر باختلاف القولين فيهما .

                                                                                                                                            فإن قلنا : إنهما حكمان تمت ولايتهما بتقليد الحاكم لهما ، ولا يعتبر فيهما إذن الزوجين ولا رضاهما ، لكان لا بد للحاكم أن يعين كل واحد من الحكمين أن يكون مختصا بأحد الزوجين ، فإن لم يعينه لم يجز ؛ لأن كل واحد منهما ينوب عن أحد الزوجين في استيفاء حقه من الآخر ، والنظر في مصلحته ثم يرد إليهما ما رأياه صلاحا من إصلاح أو طلاق أو خلع ، فإن أراد بعد تحكيمهما أن يستبدل بهما غيرهما ، فإن كان لتغير حالهما أو لوجود من هو أولى منهما جاز ، وإن لم يكن لتغير حال ولا لوجود من هو أولى لم يجز ، ولو اعتزل الحكمان جاز ، وما يستحب ذلك لهما إلا أن يكون لعجز منهما أو لاشتباه الأصلح عليهما ، وليس لهما بعد أن عزلا أو اعتزلا أن يحكما عليهما بشيء ، فإن [ ص: 606 ] حكما لم ينفذ حكمهما ، وإن قلت إن الحكمين وكيلان ، لم يتم ولايتهما إلا بتوكيل الزوجين إلى إذن الحاكم ، وإنما افتقرا مع توكيل الزوجين إلى إذن الحاكم لهما ؛ لأن له مع الوكالة ولاية لا تصح إلا بالحاكم ، وإذا كان كذلك احتاج كل واحد من الزوجين أن ينفرد بتوكيل الحكم الذي ينوب عنه ، فيأذن الزوج لحكمه في الطلاق وعدده ، وفي الخلع ومقداره ، ولا يكتفي في الإذن بالطلاق عن الإذن في الخلع لأن الخلع يسقط الرجعة فلا يفعل ذلك إلا بإذن مستحقيها ، وتأذن الزوجة لحكمها أن يخالع عنها من مالها بما تقدره له أو تعينه ، ثم يأذن الحاكم للحكمين بعد توكيل الزوجين في فعل ما وكلا فيه وإمضائه ، فيكون التوكيل من الزوجين ، والولاية من الحاكم .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية