ويستحب عند إرادة الإفتاء  أن يستعيذ من الشيطان ويسمي الله تعالى ويحمده ، ويصلي على النبي - صلى الله عليه وسلم - ويقول :   [ ص: 114 ] لا حول ولا قوة إلا بالله ، ويقول : رب اشرح لي صدري الآية ، ويستحب أن يكتب في أول فتواه : الحمد لله ، أو الله الموفق ، أو حسبنا الله ، أو حسبي الله ونحو ذلك ، نقل ذلك  الصيمري  عن كثيرين ، قال : وحذفه آخرون . قال : ولا يدع أن يختم جوابه بقوله : والله أعلم ، أو وبالله التوفيق ونحوه . 
قال : ولا يقبح أن يقول : الجواب عندنا ، أو الذي عندنا ، أو الذي نذهب إليه كذا ؛ لأنه من أهله قال : وإذا كان السائل قد أغفل الدعاء للمجيب ، أو الصلاة على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في آخر الفتوى ، ألحق المفتي ذلك بخطه فإن العادة جارية به ، ويكتب بعد : والله أعلم ، ونحوه : كتبه فلان ، أو فلان بن فلان الفلاني ، فينتسب إلى ما يعرف به من قبيلة أو بلد أو غيرهما ، ثم ينتسب إلى المذهب ، فيقول   الشافعي  أو الحنفي ونحوهما ، قال  الصيمري     : وإن كانت الفتوى تتعلق بالسلطان ، دعا له ، فقال : وعلى السلطان أو على ولي الأمر وفقه الله ، أو أصلحه ، أو سدده ، أو شد أزره ، ولا يقول : أطال الله بقاءه ، فإنه ليس من ألفاظ السلف . 
وقد نقل  النحاس  اتفاق العلماء على كراهية أطال الله بقاءك . وقد أوضحت هذه اللفظة وما يتعلق بها ويشبهها في آخر كتاب " الأذكار " . 
وينبغي أن يختصر جوابه ، ويكون بحيث يفهم للعامة فهما جليا ، قال  الصيمري  والخطيب  وغيرهما : وإذا سئل عمن قال : أنا أصدق من محمد بن عبد الله  ، أو الصلاة لغو ونحو هذه العبارات ، فلا يبادر بقوله : هذا   [ ص: 115 ] حلال الدم ، أو عليه القتل ، بل يقول : إن ثبت هذا بإقراره ، أو ببينة ، استتابه السلطان ، فإن تاب ، قبلت توبته ، وإلا فعل كذا وكذا وأشبع القول فيه ، وإن سئل عن شيء يحتمل وجوها يكفر ببعضها دون بعض قال : يسأل القائل ، فإن قال : أردت كذا ، فالجواب كذا ، وإن قال : أردت كذا ، فالجواب كذا . 
وإذا سئل عمن قتل أو قلع سنا أو عينا ، احتاط في الجواب ، فيذكر الشروط التي يجب باجتماعها القصاص ، وإذا سئل عمن فعل ما يقتضي تعزيره ، ذكر ما يعزر به ، فيقول : ضربه السلطان ما بين كذا وكذا ، ولا يزاد على كذا ، وينبغي أن يلصق الجواب بآخر الاستفتاء ، ولا يدع بينهما فرجة مخافة أن يزيد السائل شيئا يفسد الجواب . 
وإذا كان موضع الجواب ورقة ملصقة ، كتب على موضع الإلصاق ، وإذا ضاق آخر الورقة عن الجواب ، لم يكتبه في ورقة أخرى ، بل في ظهر هذه أو حاشيتها . وأيهما أولى ؟ فيه ثلاثة أوجه ، ثالثها : هما سواء ، والراجح أن حاشيتها أولى ، وبه قطع  الصيمري  وغيره ، وليحذر أن يميل في فتواه مع المستفتي أو خصمه ، ووجوه الميل معروفة . 
ومنها أن يكتب ما له دون ما عليه ، وليس له أن يعلم أحدهما ما يدفع به حجة صاحبه ، وإذا ظهر له أن الجواب خلاف غرض المستفتي ، وأنه لا يرضى بكتابته في ورقته ، اقتصر على مشافهته بالجواب ، ويجب عليه عند اجتماع الرقاع أن يقدم الأسبق فالأسبق ، كالقاضي وهذا فيما يجب فيه الإفتاء ، فإن تساووا وجهل السابق ، أقرع . والصحيح أنه يجوز تقديم المرأة ، والمسافر الذي شد رحله ويتضرر بتخلفه عن رفقته إلا إذا كثر المسافرون والنساء بحيث يتضرر غيرهم تضررا ظاهرا ، فيقدم حينئذ بالسبق ، ثم القرعة ، ثم لا   [ ص: 116 ] يقدم أحدا إلا في فتيا واحدة . قال  الصيمري  وغيره : إذا سئل عن ميراث ، فالعادة أن لا يشترط في الورثة عدم الرق والكفر والقتل وغيرها مما يمنع الإرث ، بل المطلق محمول على ذلك بخلاف ما إذا أطلق الأخوة والأخوات ، ولا بد أن يقول في الجواب : من أبوين أو أب أو أم ، وإذا سئل عن المنبرية وهي زوجة وأبوان وبنتان ، لا يقول : للزوجة الثمن ، ولا التسع ؛ لأنه لم يطلقه أحد من السلف ، بل يقول : لها الثمن عائلا ، وهو ثلاثة أسهم من سبعة وعشرين سهما ، أو لها ثلاثة أسهم من سبعة وعشرين ، وإذا كان في المذكورين من لا يرث أفصح بسقوطه ، فقال : وسقط فلان ، فإن كان سقوطه في حال دون حال ، قال : وسقط فلان في هذه الحالة . ونحو ذلك ، لئلا يتوهم أنه لا يرث بحال . قال : وينبغي أن يكون شديد الاحتراز في جواب المناسخات . 
قال  الصيمري  وغيره : وحسن أن يقول : تقسم التركة بعد إخراج ما يجب تقديمه من دين أو وصية إن كانا . قالوا : وإذا رأى في الرقعة فتوى غيره ممن هو أهل للإفتاء ، وخطه موافق لما عنده ، كتب تحته : الجواب صحيح ، أو : جوابي مثل هذا ، أو : بهذا أقول . وله أن يكتب الجواب بعبارة أخصر من عبارة السابق . 
وإن كان فيها خط من ليس بأهل ، قال  الصيمري  وغيره : لم يفت معه ؛ لأن ذلك تقرير للخطأ ، بل يضرب عليه ، وينهر المستفتي ، ويعرفه قبح ما فعله ، وأنه كان واجبا عليه البحث عن أهل الفتوى . 
وإن رأى فيها اسم من لا يعرفه ، سأل عنه ، فإن لم يعرفه ، فله الامتناع خوفا مما قلناه . 
والأولى أن يأمر صاحبها بإبدالها ، فإن أبى ، أجابه شفاها ، وإذا خاف فتنة من الضرب عليها ، ولم تكن فتياه خطأ ، امتنع من الإفتاء معه . 
 [ ص: 117 ] وهل يجوز للعامي أن يتخير ويقلد أي مذهب شاء  ، نظر إن كان منتسبا إلى مذهب ، بني على وجهين ، حكاهما  القاضي حسين  في أن العامي هل له مذهب أم لا ؟ أحدهما : لا ؛ لأن المذهب لعارف الأدلة ، فعلى هذا له أن يستفتي من شاء ، وأصحهما عند  القفال  له مذهب ، فلا تجوز مخالفته . 
وإن لم يكن منتسبا ، بني على وجهين ، حكاهما ابن برهان بفتح الباء من أصحابنا في أن العامي هل يلزمه التقيد بمذهب معين ؟ أحدهما : لا ، فعلى هذا هل له أن يقلد من شاء أم يبحث عن أسد المذاهب ، فيقلد أهله وجهان ، كالبحث عن الأعلم . 
والثاني وبه قطع  أبو الحسن  إلكيا : يلزمه . 
وهو جار في كل من يبلغ رتبة الاجتهاد من الفقهاء وأصحاب سائر العلوم ، لئلا يتلقط رخص المذاهب بخلاف العصر الأول ، ولم تكن مذاهب مدونة ، فيتلقط رخصها . 
فعلى هذا يلزمه أن يختار مذهبا يقلده في كل شيء ، وليس له التمذهب بمجرد التشهي ، ولا بما وجد عليه أباه ، هذا كلام الأصحاب . والذي يقتضيه الدليل أنه لا يلزمه التمذهب بمذهب ، بل يستفتي من شاء ، أو من اتفق ، لكن من غير تلقط للرخص . 
ولعل من منعه لم يثق بعدم تلقطه . وإذا استفتى وأفتاه المفتي ، فقال   أبو المظفر السمعاني     : لا يلزمه العمل به إلا بإلزامه ، قال : ويجوز أن يقال : يلزمه إذا أخذ في العمل   [ ص: 118 ] به ، وقيل : يلزمه إذا وقع في نفسه صحته ، قال : وهذا أولى الأوجه ، والمختار ما نقله  الخطيب  وغيره ، أنه إذا لم يكن هناك مفت آخر ، لزمه بمجرد فتواه ، وإن لم تسكن نفسه ، وإن كان هناك آخر لم يلزمه بمجرد إفتائه ، إذ له أن يسأل غيره ، وحينئذ فقد يخالفه ، فيجيء فيه الخلاف السابق في اختلاف المفتيين ، وينبغي للمستفتي أن يبدأ من المفتيين بالأسن الأعلم وبالأولى فالأولى فإن أراد جمعهم في رقعة ، وإن أراد إفرادهم في رقاع ، بدأ بمن شاء ، وتكون رقعة الاستفتاء واسعة ، ويدعو في الورقة لمن يستفتيه ، ويدفع الورقة إلى المفتي منشورة ، ويأخذها منشورة ، فيريحه من نشرها وطيها . 
وإذا لم يجد صاحب الواقعة مفتيا في بلده ولا غيره ، ولا من ينقل حكمها  ، قال  الشيخ أبو عمرو     : هذه مسألة فترة الشريعة الأصولية وحكمها حكم ما قبل ورود الشرع ، والصحيح في كل ذلك أن لا تكليف ولا حكم في حقه أصلا ، فلا يؤاخذ إذا صاحب الواقعة شيء بصنعه . 
فهذا آخر النبذ التي يسر الله الكريم إلحاقها وهي وإن كانت طويلة بالنسبة إلى هذا المختصر فهي قصيرة بالنسبة إلى ما ذكرته في شرح " المهذب " ، وموضع بسطها والزيادات والفروع هناك . وهذا الفصل مما يكثر الاحتياج إليه ، فلهذا بسطناه أدنى بسط ، والله أعلم . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					