الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                        فصل

                                                                                                                                                                        الرجوع المغرم إما أن يوجد والمحكوم بشهادتهم على الحد المعتبر في الباب ، وإما أكثر عددا ، فإن كانوا على الحد بأن حكم في العتق أو القتل بشهادة رجلين ، ثم رجعا ، لزمهما الغرم بالسوية ، وإن رجع أحدهما ، لزمه النصف ، وكذا لو رجم في الزنى بشهادة أربعة ، فرجعوا جميعا ، فعليهم الدية أرباعا ، وإن رجع بعضهم ، فعليه حصته منها ، وإن زادوا على الحد المعتبر بأن شهد القتل أو الحد ثلاثة ، أو بالزنى خمسة ، فإن رجع الجميع ، فالغرم عليهم بالسوية ، وإن رجع البعض ، نظر ، فإن ثبت على الشهادة الحد المعتبر بأن رجع من الثلاثة في القتل [ ص: 304 ] واحد ، أو من الخمسة في الزنى واحد فلا غرم على الراجع على الأصح ، وبه قال ابن سريج والإصطخري ، وابن الحداد .

                                                                                                                                                                        والثاني : يغرم بحصته من العدد ، قال المزني وأبو إسحاق . ولا يجب القصاص والحالة هذه بلا خلاف ، كذا قال البغوي ، وفي " الفروق " للشيخ أبي محمد عن القفال أنه يلزمه القصاص إن اعترف بالتعمد ، أما إذا لم يثبت من العدد المعتبر إلا بعضهم بأن رجع من الثلاثة أو الخمسة اثنان ، فعلى الوجهين السابقين ، فإن قلنا : لا غرم هناك وزع الغرم هنا على العدد المعتبر ، وحصة من نقص من العدد المعتبر توزع على من رجع بالسوية ، ففي صور الثلاثة يكون نصف الغرم على الراجعين ، وإن قلنا : يغرم هناك وزع هنا على جميع الشهود ، فعلى الاثنين الراجعين من الثلاثة ثلثا الغرم ، هذا كله إذا كان جميع الشهود ذكورا أو إناثا بأن كان رضاعا أو نحوه ، فإن كانوا ذكورا وإناثا نظر إن لم يزيدوا على العدد المعتبر ، كرجل وامرأتين ، في رضاع أو مال ، فإذا رجعوا ، فعلى الرجل نصف الغرم ، وعلى كل امرأة ربعه ، وإن زادوا على العدد ، فالمشهود به قسمان :

                                                                                                                                                                        أحدهما : ما يثبت بالنسوة منفردات ، كالرضاع ، فإذا شهد به أربع نسوة ورجل ، ورجعوا ، فعليه ثلث الغرم ، وعليهن ثلثاه ، وإن رجع وحده ، فلا شيء عليه على الأصح ، لبقاء الحجة ، وكذا لو رجع امرأتاه ، وعلى الثاني عليه أو عليهما ثلث الغرم .

                                                                                                                                                                        ولو شهد رجل وعشر نسوة ، ثم رجعوا ، فعليه سدس الغرم ، وعلى كل واحدة نصف سدسه ، وإن رجع وحده أو مع ست ، فما دونهن ، فلا غرم على الأصح لبقاء الحجة ، وعلى الثاني يجب على من رجع حصته ، وإن رجع مع سبع ، فعلى الأصح عليهم ربع الغرم ، لبطلان ربع البينة ، وإن رجع مع ثمان فنصفه ، ومع تسع ثلاثة أرباعه ، ويكون على الذكر ضعف ما على المرأة ، وعلى الثاني عليهم قدر حصتهم لو رجعوا جميعا ، ولو رجع النسوة وحدهن . فعليهن نصف الغرم على الأصح ، وخمسة أسداسه في الثاني .

                                                                                                                                                                        [ ص: 305 ] القسم الثاني : ما لا يثبت بالنسوة منفردات ، كالمال إذا أوجبنا الغرم فيه بالرجوع ، فشهد رجل وأربع نسوة ورجعوا ، فهل على الرجل نصف الغرم أم ثلثه ؟ وجهان أصحهما الأول ، فإن قلنا به ، فرجع النسوة ، فعليها نصف الغرم ، ولو رجعت امرأتان ، فلا شيء عليهما على الأصح لبقاء الحجة ، وعلى قول المزني وأبي إسحاق ، عليهما ربع الغرم .

                                                                                                                                                                        ولو شهد رجل وعشر نسوة ، ورجعوا ، فعليه نصف الغرم ، وعليهن نصفه على الأصح ، وعلى الثاني عليه سدسه ، وعليهن الباقي ولو رجع وحده ، فعليه النصف على الأصح ، وعلى الآخر إنما عليه السدس ، ولو رجعن دونه ، فعليهن النصف في الأصح ، وفي الآخر خمسة أسداس ، وإذا علقنا نصف الغرم برجوع الرجل ، فرجع معه ثمان نسوة ، فعليه النصف ، ولا شيء عليهن بناء على أنه لا يثبت بشهادتين إلا نصف الغرم ، وقد بقي من النساء من يتم به ذلك ، وعلى قول المزني ، وأبي إسحاق عليهن أربعة أخماس النصف ، ولو رجع مع تسع نسوة ، لزمه النصف ، وعليهن الربع ، لبقاء الحجة ، وعلى قول المزني عليه نصف ، وعليهن تسعة أعشار النصف الآخر ، وإن رجع ثمان نسوة لا غير ، فلا شيء عليهن ، وعلى قوله عليهن أربعة أخماس النصف .

                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية