الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                        القسم الثاني : ما يعد شيئين فصاعدا وهو ضربان عقار وغيره ، أما العقار ، فإذا اشتركا في دارين أو حانوتين متساويتي القيمة وطلب أحدهما القسمة بأن يجعل لهذا دار ولهذا دار ، أو حانوت وحانوت ، لم يجبر الممتنع ، سواء تجاور الحانوتان والداران ، أم تباعدا ، لشدة اختلاف الأغراض باختلاف المحال والأبنية .

                                                                                                                                                                        ولو اشتركا في دكاكين صغار متلاصقة لا تحتمل آحادها القسمة ، ويقال لها : العضايد ، فطلب أحدهما أن يقسم أعيانا ، فهل يجبر الممتنع ؟ وجهان : أحدهما كالمتفرقة وكالدور ، وأصحهما : نعم للحاجة ، وكالخان المشتمل على بيوت ومساكن ، هكذا صور هذه المسألة الجمهور ، وهو الصواب ، وصورها صاحب " المهذب " فيما إذا احتملت كل واحدة منهما القسمة وحكى وجهين فيما إذا طلب أحدهما قسمتها أعيانا والآخر قسمة كل واحد منها .

                                                                                                                                                                        وأما الأقرحة ، فإن كانت [ ص: 212 ] متفرقة ، فهي كالدور . وإن كانت متجاورة ، ففي " الشامل " أن أبا إسحاق جعلها كالقراح الواحد المختلف الأجزاء ، وأن غيره قال : إنما يكون كالقراح الواحد إذا اتحد الشرب والطريق ، فإن تعدد ، فهو كما لو تفرقت ، قال : وهذا أشبه بكلام الشافعي - رحمه الله - .

                                                                                                                                                                        الضرب الثاني غير العقار إذا اشتركا في عبيد أو دواب ، أو أشجار ، أو ثياب ونحوها ، فلها حالان أحدهما : أن يكون من نوع واحد ، ويمكن التسوية بين الشريكين عددا وقيمة ، كعبدين متساويي القيمة بين شريكين ، وكثلاث دواب ، أو أثواب متساوية القيمة بين ثلاثة ، فالمذهب أنه يجبر على قسمتها أعيانا ، لقلة اختلاف الأغراض فيها بخلاف الدور ، وقال أبو علي بن خيران ، وابن أبي هريرة : هي كالدور ، وقيل : يخير في العبيد وفي غيرها الخلاف .

                                                                                                                                                                        وإن لم تمكن التسوية في العدد كثلاثة أعبد لرجلين بالسوية إلا أن أحدهم يساوي الآخرين في القيمة ، فإن قلنا بالإجبار عند استواء القيمة ، فهنا قولان ، وهما كالقولين في الأرض المختلفة الأجزاء ، وإن كانت الشركة لا ترفع إلا عن بعض الأعيان ، كعبدين بين اثنين قيمة أحدهما مائة ، وقيمة الآخر مائتان ، فطلب أحدهما القسمة ليختص من خرجت ( له ) قرعة الخسيس بالخسيس ، ويكون له مع ذلك ربع النفيس ، فإن قلنا : لا إجبار في الصورة السابقة ، فهنا أولى ، وإلا فوجهان ، أو قولان ، الأصح لا إجبار ؛ لأن الشركة لا ترتفع بالكلية .

                                                                                                                                                                        الحال الثاني : أن يكون الأعيان أجناسا ، كعبد وثوب ، وحنطة وشعير ، ودابة ونحوها ، أو أنواعا كعبدين تركي وهندي ، وثوبين [ ص: 213 ] إبريسم وكتان ، فطلب أحدهما أن يقسم أجناسا وأنواعا لا يجبر الآخر وإنما يقسم كذلك بالتراضي . ولو اختلطت الأنواع وتعذر التمييز كتمر جيد ورديء ، فلا قسمة إلا بالتراضي هذا ما قطع به الجمهور ، وطرد السرخسي الخلاف في الإجبار عند اختلاف النوع ، وزاد الإمام والغزالي فأجرياه عند اختلاف الجنس ، وليس بشيء ، والمذهب الأول .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        إذا كان بينهما عرصة وثلثها بالمساحة نصف بالقيمة ، لقربه من الماء فهي قسمة تعديل ، وفيها الخلاف . وقال الغزالي : يجبر عليها قطعا ولا يبالي بهذا التفاوت ، والمذهب الأول ، وهو المعروف عن الأصحاب .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        اللبنات إن تساوت قوالبها ، فقسمتها قسمة المتشابهات ، فيجبر قطعا ، وإن اختلفت قوالبها ، فقسمة تعديل ، وفيها الخلاف .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        دار بين اثنين ، لها علو وسفل طلب أحدهما قسمتها علوا وسفلا ، أجبر الآخر عند الإمكان ، وإن طلب أحدهما أن يجعل العلو لواحد ، والسفل لآخر لا يجبر ، هكذا أطلقه الأصحاب . ويجوز أن يقال : إن لم يمكن القسمة سفلا وعلوا ، جعل السفل لأحدهما والعلو للآخر من جملة قسمة التعديل ، ولو طلب أحدهما أن يقسم السفل ، ويترك [ ص: 214 ] العلو مشاعا ، لم يجبر الآخر ، لأنهما قد يقتسمان العلو بعده ، فيقع ما فوق هذا لذاك .

                                                                                                                                                                        النوع الثالث : قسمة الرد ، وصورتها أن يكون في أحد جانبي الأرض بئر أو شجر ، أو في الدار بيت لا يمكن قسمته ، فيضبط قيمة ما اختص ذلك الجانب به ، ويقسم الأرض والدار على أن يرد من يأخذ ذلك الجانب بتلك القيمة ، وهذه لا إجبار عليها قطعا وكذا لو كان بينهما عبدان قيمة أحدهما مائة ، والآخر خمسمائة ، واقتسما على أن يرد آخذ النفيس مائتين ليستويا وقيل في الإجبار قول مخرج حكاه السرخسي وهو غلط . ولو تراضيا بقسم الرد ، جاز أن يتفقا على أن يأخذ أحدهما النفيس ويرد ، ويجوز أن يحكما القرعة ليرد من خرج له النفيس .

                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية