الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                        الرابعة : إذا ازدحم جماعة مدعين ، فإن عرف السبق ، قدم الأسبق فالأسبق ، والاعتبار سبق المدعي دون المدعى عليه ، وإن جاءوا معا ، أو جهل السبق ، أقرع ، فإن كثروا وعسر الإقراع ، كتب أسماءهم في رقاع ، وصبت بين يدي القاضي ليأخذها واحدة واحدة ، ويسمع دعوى من خرج اسمه في كل مرة ، ويستحب أن يرتب ثقة يكتب أسماءه يوم قضائه ليعرف ترتيبهم ، ولو قدم الأسبق غيره على نفسه ، جاز ، والمفتي والمدرس يقدمان عند الازدحام أيضا بالسبق أو بالقرعة ، ولو كان الذي يعلمه ليس من فروض الكفاية ، فالاختيار إليه في تقديم من شاء .

                                                                                                                                                                        ولا يقدم القاضي مدعيا بشرف ولا غيره إلا في موضعين ، [ ص: 164 ] أحدهما : إذا كان في المدعين مسافرون مستوفزون وقد شدوا الرحال ليخرجوا ، ولو أخروا لتخلفوا عن رفقتهم ، فإن قلوا ، قدموا على الصحيح ، وإلا فلا ، بل يعتبر السبق بالقرعة .

                                                                                                                                                                        والثاني لو كان في الحاضرين نسوة ، ورأى القاضي تقديمهن لينصرفن ، قدمهن على الصحيح بشرط أن لا يكثرن . وينبغي أن لا يفرق بين أن يكون المسافر والمرأة مدعيا ، أو مدعى عليه . ثم تقديم المسافر والمرأة ليس بمستحق على الصحيح ، بل هو رخصة لجواز الأخذ به ، وهذا ظاهر نصه في المختصر ومنهم من يشعر كلامه بالاستحقاق .

                                                                                                                                                                        قلت : المختار أنه مستحب لا يقتصر به على الإباحة ، والله أعلم .

                                                                                                                                                                        ثم لا يخفى أن المراد تقديم المسافر على المقيمين ، والمرأة على الرجال ، فأما المسافرون بعضهم مع بعض ، وكذا النسوة ، فالرجوع فيهم إلى السبق أو القرعة .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        المقدم بالسبق أو القرعة لا يقدم إلا في دعوى واحدة ، لئلا يطول على الباقين ، فإن كان له دعوى أخرى ، فليحضر في مجلس آخر ، أو ينتظر فراغ القاضي من حكومات سائر الحاضرين ، وحينئذ تسمع دعواه الثانية إن لم يضجر القاضي ، ولا فرق بين أن تكون الدعوى الثانية والثالثة على الذي ادعى عليه الدعوى الأولى أو على غيره ، وفيه وجه ضعيف أن الزيادة على الأولى مسموعة إذا اتحد المدعى عليه ، وعلى هذا قال في " الوسيط " : تسمع إلى ثلاث دعاوى ، ومنهم من [ ص: 165 ] أطلق ، ولا خلاف أنه يسمع على المدعى عليه دعوى ثان وثالث ؛ لأن الدعوى للمدعي وقد تعدد ، ونقل ابن كج هنا وجهين غريبين ضعيفين أحدهما : أن المقدم بدعوى لا تسمع منه الثانية إلا في مجلس آخر ، وإن فرغ القاضي من دعاوى الحاضرين ، وعليهم بعد ذلك ترفيهه .

                                                                                                                                                                        الثاني : لا يسمع على الواحد إلا دعوى شخص واحد . وأما المقدم بالسفر ، فيحتمل أن لا يقدم إلا بدعوى ، ويحتمل أن يقدم بجميع دعاويه ؛ لأن سبب تقديمه أن لا يتخلف عن رفقته ، ويحتمل أن يقال : إذا عرف أن له دعاوى ، فهو كالمقيمين ؛ لأن تقديمه بالجميع يضر غيره ، وتقديمه بدعوى لا يحصل الغرض .

                                                                                                                                                                        قلت : الأرجح أن دعاويه إن كانت قليلة ، أو ضعيفة بحيث لا يضر بالباقين إضرارا بينا ، قدم بجميعها ، وإلا فيقدم بواحدة ، لأنها مأذون فيها ، وقد يقنع بواحدة ، ويؤخر الباقي إلى أن يخصه ، والله أعلم .

                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية