الشرط الخامس : المروءة ، وهي التوقي عن الأدناس ، فلا تقبل ، فمن ترك المروءة لبس ما لا يليق بأمثاله بأن لبس الفقيه القباء والقلنسوة ويتردد فيهما في بلد لم تجر عادة الفقهاء بلبسهما فيه ، أو لبس التاجر ثوب الجمال ، أو تعمم الجمال وتطلس ، وركب بغلة مثمنة ، وطاف في السوق ، واتخذ نفسه ضحكة ، ومنه المشي في السوق مكشوف الرأس والبدن إذا لم يكن الشخص سوقيا ممن يليق به مثله ، وكذا مد الرجل بين الناس ، والأكل في السوق والشرب من سقاياتها إلا أن يكون الشخص سوقيا ، أو شرب لغلبة عطش ، ومنه أن يقبل امرأته أو جاريته بحضرة الناس ، أو يحكي ما يجري بينهما في الخلوة ، أو يكثر من الحكايات المضحكة ، أو يخرج عن حسن العشرة مع الأهل والجيران والمعاملين ، ويضايق في اليسير [ ص: 233 ] الذي لا يستقصى فيه ، ومنه الإكثار على اللعب بالشطرنج والحمام والغناء على ما سبق . شهادة من لا مروءة له
ومنه أن يتبذل الرجل المعتبر نفسه بنقل الماء والأطعمة إلى بيته إذا كان ذلك عن شح ، فإن فعله استكانة ، واقتداء بالسلف التاركين للتكلف ، لم تقدح ذلك في المروءة ، وكذا لو كان يلبس ما يجد ويأكل حيث يجد لتقلله وبراءته من التكلف المعتاد ، وهذا يعرف بتناسب حال الشخص في الأعمال والأخلاق ، وظهور مخايل الصدق فيما يبديه ، وقد يؤثر فيه الزي واللبسة .
وفي قبول شهادة أهل الحرف الدنيئة كحجام وكناس ودباغ وقيم حمام وحارس ونخال وإسكاف وقصاب ونحوهم وجهان ، أصحهما : القبول ، وفي الحائك الوجهان ، وقيل : ( يقبل قطعا ) وقيل : يقبل من لا يحتاج إلى مباشرة نجاسة أو قذر كالحائك والنخال والحارس دون غيرهم ، وفي الصباغ والصائغ طريقان :
أحدهما : طرد الوجهين ، والمذهب القبول قطعا ، لكن من أكثر منهم ، ومن سائر المحترفة كذبا وخلفا في الوعد ، ردت شهادته ، ولذلك قال : الوجهان في أصحاب الحرف هما فيمن يليق به ، وكان ذلك صنعة آبائه ، فأما غيره ، فتسقط مروءته بها ، وهذا حسن ، ومقتضاه أن يقال : الإسكاف والقصاب إذا اشتغلا بالكنس ، بطلت مروءتهما بخلاف العكس . الغزالي
قلت : لم يتعرض الجمهور لهذا القيد ، وينبغي أن لا يقيد بصنعة آبائه ، بل ينظر هل يليق به هو أم لا . والله أعلم .
ثم الذين يباشرون النجاسة إنما يجري فيهم الخلاف إذا حافظوا على الصلوات في أوقاتها ، واتخذوا لها ثيابا طاهرة ، وإلا فترد شهادتهم بالفسق .
فرع
من ترك السنن الراتبة ، وتسبيحات الركوع والسجود أحيانا ، لا ترد شهادته ، ومن اعتاد تركها ، ردت شهادته لتهاونه بالدين وإشعار [ ص: 234 ] هذا بقلة مبالاته بالمهمات ، وحكى أبو الفرج في غير الوتر وركعتي الفجر وجهان أنه لا ترد شهادته باعتياد تركها .
فرع
نص أن إن أدام المنادمة عليها ، والحضور مع أهل السفه ، ردت شهادته لطرحه المروءة ، وتقبل شهادة الطوافين على الأبواب ، وسائر السؤال إلا أن يكثر الكذب في دعوى الحاجة وهو غير محتاج ، أو يأخذ ما لا يحل له أخذه ، فيفسق . ومقتضى الوجه الذاهب إلى رد شهادة أصحاب الحرف رد شهادته لدلالته على خسته . مستحل الأنبذة