فصل
إذا حكم القاضي بشهادة اثنين ، ثم بان له أنهما كانا عبدين ، أو كافرين ، أو صبيين ، أو امرأتين ، نقض حكمه ؛ لأنه تيقن الخطأ ، كما لو حكم باجتهاده ، فوجد النص خلافه ، ولو بان ذلك لقاض آخر نقضه أيضا . فإن قيل : قد اختلف العلماء في شهادة العبد ، فكيف نقض ( الحكم ) في محل الاختلاف والاجتهاد ؟ فالجواب أن الصورة مفروضة فيمن لا يعتقد الحكم بشهادة العبد وحكم بشهادة من ظنهما حرين ، ولا اعتداد بمثل هذا الحكم ، ولأنه حكم يخالف القياس الجلي ؛ لأن العبد ناقص في الولايات ، وسائر الأحكام ، فكذا الشهادة . وإن بان أنه حكم بشهادة فاسقين ، نقض حكمه على الأظهر ، وقيل : قطعا .
ولو شهد عدلان ، ثم فسقا قبل أن نحكم بشهادتهما لم نحكم بها قطعا ؛ لأن الفسق يخفى غالبا ، فربما كانا فاسقين عند الشهادة . ولو ارتدا قبل الحكم ، لم يحكم على الصحيح ، لأنها توقع ريبة ، وقيل : لا يؤثر حدوثها بعد شهادتهما . وقال الداركي : إن ارتد إلى كفر يستسر أهله به ، فكالفسق ، وإلا فلا يؤثر .
ولو شهدا في حد أو مال ، ثم ماتا أو جنا أو عميا ، أو خرسا ، لم يمنع حدوث هذه الأحوال الحكم بشهادتهما ، لأنها لا توهم ريبة فيما مضى . ويجوز وقوع التعديل بعد حدوثها . ولو فسق الشاهدان ، أو ارتدا بعد الحكم بشهادتهما ، وقبل الاستيفاء ، فهو كرجوع الشاهدين بعد الحكم ، وقبل الاستيفاء ، وفيه خلاف وتفصيل سنذكره في بابه إن شاء الله تعالى ، والمذهب أنه لا يؤثر في المال ، بل يستوفى .
فرع
قال القاضي بعد الحكم بشهادة شاهدين : قد بان لي أنهما كانا [ ص: 252 ] فاسقين ، ولم تظهر بينة بفسقهما ، قال في " الفتاوى " : إذا لم يتهم في قضائه بعلمه مكن من ذلك أيضا ، قال : ولو قال : أكرهني السلطان على الحكم بقولهما ، وكنت أعرف فسقهما ، قبل قوله من غير بينة الإكراه ، ولو بان بالبينة أن الشاهدين كانا والدين للمشهود له ، أو ولدين ، أو عدوين للمشهود عليه ، نقض الحكم ، وبالله التوفيق . الغزالي