الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
واتفقوا على أن من تيمم لعدم الماء في السفر أو للمرض أو الجرح أنه لا يعيد ، ولم يأمر الله ولا رسوله أحدا بفعل الصلاة مرتين مع كونه فعلها على الوجه الذي أمر به أولا ، بل قال النبي صلى الله عليه وسلم : «أينهاكم عن الربا ويقبله منكم ؟ » . [ ص: 430 ]

وتفريق من فرق بين العذر النادر والمعتاد فرق ضعيف ، وإنما قاسوه على الحائض التي تؤمر بقضاء الصوم الذي لا يتكرر ، ولم تؤمر بقضاء الصلاة التي تتكرر ، فقالوا : ما يتكرر من الأعذار كالصلاة ، وما لم يتكرر كالصوم . وهذا قياس ضعيف فإن الحائض لا تؤمر بالصوم أولا وبقضائه ثانيا ، وإنما تؤمر بصوم واحد كما يؤمر الطاهر بصوم واحد ، ولكن أمرت بالصوم في غير وقت الحيض . وأما الصلاة فإن كل يوم وليلة فيه صلوات خمس واجبة ، فلو أمرت بالقضاء لكانت مأمورة في أمر واحد بعشر صلوات ، وهذا خلاف الواجب .

فهؤلاء إذا أمروا المعذور بالصلاة مرتين فقد أمروه بعشر صلوات في زمن القضاء ، وهو خلاف الأصل الذي قاسوا عليه . فعلم أن المشروع في الحائض حجة عليهم لا أنه حجة لهم . وقد قال الله تعالى : فاتقوا الله ما استطعتم [التغابن :16] ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم : «إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم » .

فمن فعل الصلاة كما يستطيع فلا إعادة عليه ، ولم يأمر النبي صلى الله عليه وسلم أحدا من أهل الأعذار بصلاتين قط ، فالأمر بذلك ذريعة إلى الترك ، فإن المعذور حسبه أن يفعلها مرة ، فإذا أمر بها مرتين أفضى إلى الترك . وقد أمر الله بالصلاة في شدة الخوف رجالا وركبانا ، وهي من الأعذار [ ص: 431 ] النادرة ، ولم يأمر بالإعادة ، بل نفس صلاة الخوف الخفيف التي فعلها النبي صلى الله عليه وسلم بإزاء العدو ، وهي في غالب الأمور من الأعذار النادرة ، وفيها أمور تخالف صلاة الاختيار ، مثل استدبار القبلة ، والعمل الكبير في الصلاة ، ومفارقة الإمام قبل السلام ، وغير ذلك ، ولم يكن فيها إعادة .

التالي السابق


الخدمات العلمية