الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وممن توفي فيها من الأعيان :

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 588 ] أحمد بن محمد بن أحمد بن عبد الله بن إسماعيل بن حفص ، أبو سعد الماليني الصوفي

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      ومالين قرية من قرى هراة كان من الحفاظ المكثرين الرحالين في طلب الحديث إلى الآفاق ، وكتب كثيرا ، وكان ثقة صدوقا صالحا ، مات بمصر في شوال من هذه السنة .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      الحسن بن الحسين بن محمد بن الحسين بن رامين القاضي ، أبو محمد الإستراباذي

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      نزل بغداد وحدث بها عن الإسماعيلي وغيره ، وكان من كبار الشافعية ، فاضلا صالحا ، رحمه الله تعالى .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      الحسن بن منصور ، أبو غالب

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      الوزير الملقب ذا السعادتين ، ولد بسيراف سنة ثنتين وخمسين وثلاثمائة ، وتنقلت به الأحوال حتى وزر ببغداد ، ثم قتل وصودر ابنه على ثمانين ألف دينار .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      الحسين بن عمر

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      أبو عبد الله الغزال
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      ، سمع النجاد والخلدي وابن السماك وغيرهم . قال الخطيب : كتبت عنه ، وكان شيخا ثقة صالحا كثير [ ص: 589 ] البكاء عند الذكر .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      محمد بن عمر ، أبو بكر العنبري الشاعر

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      كان أديبا ظريفا ، حسن الشعر ، فمن ذلك قوله :


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      إني نظرت إلى الزما ن وأهله نظرا كفاني     فعرفته وعرفتهم
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وعرفت عزي من هواني     فلذاك أطرح الصدي
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      ق فلا أراه ولا يراني     وزهدت فيما في يدي
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      ه ودونه نيل الأماني     فتعجبوا لمغالب
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وهب الأقاصي للأداني     وانسل من بين الزحا
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      م فما له في الكون ثاني

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      قال ابن الجوزي : وكان متصوفا ، ثم خرج عنهم ، وذمهم بقصائد ذكرتها في " تلبيس إبليس " . توفي يوم الخميس ثاني عشر جمادى الأولى من هذه السنة .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      محمد بن أحمد بن محمد بن أحمد بن رزق بن عبد الله بن يزيد بن خالد ، أبو الحسن البزاز ، المعروف بابن رزقويه

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      قال الخطيب : هو أول شيخ كتبت عنه في سنة ثلاث وأربعمائة ، وكان يذكر أنه درس القرآن ، ودرس الفقه [ ص: 590 ] على مذهب الشافعي ، وكان ثقة صدوقا ، كثير السماع والكتابة ، حسن الاعتقاد ، جميل المذهب ، مديما لتلاوة القرآن ، شديدا على أهل البدع ، ومكث دهرا على الحديث ، وكان يقول : لا أحب الدنيا إلا لذكر الله وتلاوة القرآن وقراءتي عليكم الحديث . وقد بعث بعض الأمراء إلى العلماء بذهب ، فقبلوا كلهم غيره ، فإنه لم يقبل منه شيئا . وكانت وفاته يوم الاثنين السادس عشر من جمادى الأولى من هذه السنة ، عن سبع وثمانين سنة ، ودفن بالقرب من مقبرة معروف الكرخي رحمه الله تعالى .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      أبو عبد الرحمن السلمي ، محمد بن الحسين بن محمد بن موسى النيسابوري

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      روى عن الأصم وغيره ، وعنه مشايخ البغاددة ، كالأزهري والعشاري وغيرهما ، وروى عنه البيهقي وغيره .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      قال ابن الجوزي : كانت له عناية بأخبار الصوفية ، فصنف لهم تفسيرا وسننا وتاريخا ، وجمع شيوخا وتراجم وأبوابا ، له بنيسابور دار معروفة ، وفيها صوفية ، وبها قبره . ثم ذكر كلام الناس في تضعيفه في الرواية ، فحكى عن الخطيب ، عن محمد بن يوسف القطان أنه قال : لم يكن بثقة ، ولم يكن سمع من الأصم كثيرا ، فلما مات الحاكم روى عنه أشياء كثيرة ، وكان يضع للصوفية الأحاديث . قال ابن الجوزي : وكانت وفاته في ثالث شعبان من هذه السنة .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 591 ] أبو علي ، الحسن بن علي الدقاق النيسابوري

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      كان يعظ الناس ويتكلم على الأحوال والمعرفة ، فمن كلامه : من تواضع لأحد لأجل دنياه ذهب ثلثا دينه ; لأنه خضع له بلسانه وأركانه ، فلو خضع له بقلبه ذهب دينه كله .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وقال في قوله تعالى فاذكروني أذكركم اذكروني وأنتم أحياء أذكركم وأنتم تحت التراب .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وقال : البلاء الأكبر أن تريد ولا تراد ، وتدنو فترد إلى الإبعاد .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وأنشد عند قوله تعالى : وتولى عنهم وقال ياأسفى على يوسف [ يوسف : 84 ] .


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      جننا بليلى وهي جنت بغيرنا     وأخرى بنا مجنونة لا نريدها

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وقال في قوله صلى الله عليه وسلم : حفت الجنة بالمكاره . إذا كان المخلوق لا وصول إليه إلا بتحمل المشاق ، فما ظنك بمن لم يزل ؟ !

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      صريع الدلاء الشاعر ، أبو الحسن ، علي بن عبد الواحد

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 592 ] الفقيه البغدادي
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      ، الشاعر الماجن ، المعروف بصريع الدلاء ، قتيل الغواشي ذي الرقاعتين ، له قصيدة مقصورة في الهزل ، عارض بها قصيدة أبي بكر بن دريد ، يقول فيها :


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وألف حمل من متاع تستر     أنفع للمسكين من لقط النوى
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      من طبخ الديك ولا يذبحه     طار من القدر إلى حيث انتهى
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      من دخلت في عينه مسلة     فسله من ساعته كيف العمى
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      والذقن شعر في الوجوه طالع     كذلك العقصة من خلف القفا
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      من أكل الكرش ولا يغسله     سال على لحيته شبه الخرا

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      إلى أن ختمها بالبيت الذي حسد عليه ، وهو قوله :


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      من فاته العلم وأخطاه الغنى     فذاك والكلب على حد سوا

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      قدم مصر في سنة ثنتي عشرة وأربعمائة ، وامتدح فيها خليفتها الظاهر لإعزاز دين الله بن الحاكم ، واتفقت وفاته بها في رجب هذه السنة ، سامحه الله .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية