الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                        فصل

                                                                                                                                                                        في الحر يموت وعليه كفارة ، فتخرج من تركته ، سواء أوصى بها أم لا ، وسبيلها سبيل الديون ، وذكرنا في كتاب الوصية وجها : أنه إن أوصى بها ، حسبت من الثلث ، ووجها : أنها من الثلث ، وإن لم يوص ، والصحيح الأول ، وإذا وفت التركة بحقوق الله تعالى وحقوق الآدمي ، قضيت جميعا ، وإن لم تف ، وتعلق بعضها بالعين ، وبعضها بالذمة ، قدم التعلق بالعين ، سواء اجتمع النوعان ، أو انفرد أحدهما ، وإن اجتمعا ، وتعلق الجميع بالعين أو الذمة ، فهل يقدم حق الله تعالى ؟ أم الآدمي ؟ أم يستويان ؟ فيه ثلاثة أقوال ، سبقت في مواضع ، أظهرها الأول ، ولا تجري هذه الأقوال في المحجور عليه بفلس ، إذا اجتمع النوعان ، بل تقدم حقوق الآدمي ، وتؤخر حقوق الله تعالى ، ما دام حيا ، وإن كانت الكفارة مرتبة أعتق عنه الوارث ، وكذا لو أوصى [ ص: 26 ] الوصي ويكون الولاء للميت ، فإن تعذر الإعتاق ، أطعم من التركة ، وإن كانت كفارة تنجيز ، جاز الإطعام والكسوة من التركة ، وكذا الإعتاق على الأصح ، والواجب من الخصال أقلها قيمة ، فإن لم تكن تركة فتبرع أجنبي بالإطعام أو الكسوة عنه من مال نفسه ، جاز على الأصح ، فإن تبرع بهما الوارث ، جاز على الصحيح ، وقيل : لا ، لبعد العبادات عن النيابة ، وإن تبرع الأجنبي بالإعتاق في كفارة التنجيز ، لم يصح على المذهب ، لعلتين ، إحداهما : سهولة التكفير بغير إعتاق ، ولا يعتق لما فيه من عسر إثبات الولاء ، والثانية : فيه إضرار بأقارب الميت ، لأنهم يؤاخذون بجناية عتيقه ، فإن كان المعتق وارثا ، جاز على العلة الثانية دون الأولى ، وفي الكفارة المرتبة ، للوارث أن يتبرع بالإعتاق ، وكذا للأجنبي على الأصح ، بناء على العلة الأولى ، وفي صوم الولي والأجنبي خلاف ، سبق في الصيام ، وإذا أوصى بأن يعتق عنه في كفارة التنجيز وزادت قيمة العبد على قيمة الطعام والكسوة ، فثلاثة أوجه أضعفها : يتعين الإعتاق ، وتحسب قيمة العبد من رأس المال ، والثاني : تحسب قيمة العبد من الثلث ، لأن براءة الذمة تحصل بلزومها ، فعلى هذا إن وفى الثلث بقيمة عبد مجزئ ، أعتق عنه ، وإلا بطلت الوصية ، وعدل إلى الإطعام والكسوة ، وهذا الوجه أصح ، وهو ظاهر النص . والثالث : تحسب قيمة أقلها قيمة من رأس المال ، والزيادة إلى تمام قيمة العبد من الثلث ، فإن وفى ثلث الباقي مضموما إلى الأقل المحسوب من رأس المال بقيمة عبد ، أعتق عنه ، وإلا بطلت الوصية ، وعدل إلى الإطعام والكسوة .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        من بعضه حر وبعضه رقيق ، إن كان معسرا ، كفر بالصوم ، وإن كان موسرا فوجهان ، وإن شئت قلت : قولان ، منصوص ومخرج . [ ص: 27 ] الصحيح المنصوص لا يكفر بالصوم ، بل يطعم ويكسو ، والمذهب : أنه لا يكفر بالإعتاق لتضمنه الولاية والإرث ، وليس هو من أهلها ، وقيل : في تكفيره بالعتق قولان ، كإعتاق المكاتب بإذن سيده عن كفارته ، وهو ضعيف ، وخرج المزني أنه يكفر بالصوم ، وصوبه ابن سريج ، وبالله التوفيق .

                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية