الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                        [ ص: 129 ] فرعان

                                                                                                                                                                        ذكرهما الهروي ، أحدهما : قال القاضي المعزول : المال الذي في يد هذا الأمين دفعته إليه أيام قضائي ليحفظه لزيد ، وقال الأمين : إنه لعمرو ، وما قبضته منك ، فالقول قول الأمين ، وإن وافقه على القبض منه ، فالقول قول القاضي . والثاني : يجوز أن يكون الشاهدان بحكم القاضي هما اللذان شهدا عنده ، وحكم بشهادتهما ، لأنهما يشهدان على فعل القاضي . قال الأستاذ أبو طاهر : وعلى هذا تفقهت ، وأدركت القضاة .

                                                                                                                                                                        الخامسة : ليس على القاضي تتبع أحكام القاضي قبله ؛ لأن الظاهر منها السداد ، وله التتبع على أحد الوجهين ، واختاره الشيخ أبو حامد احتياطا . وإذا جاءه متظلم على القاضي المعزول ، وطلب إحضاره ، لم يسارع إلى إجابته ، فقد يقصد ابتذاله ، بل يسأله عما يريد منه ، فإن ذكر أنه يدعي عليه عينا ، أو دين معاملة ، أو إتلافا أو غصبا ، أحضره ، وفصل خصومتهما ، كغيرهما . ولو قال : أخذ مني كذا على سبيل الرشوة المحرمة ، أو أخذ مني مالا بشهادة عبدين أو غيرهما ممن لا تقبل شهادته ، ودفعه إلى فلان ، فكذلك الجواب ؛ لأن هذا الأخذ كالغصب ، وأما فلان الذي ادعى الدفع إليه ، فإن قال : أخذته بحكم المعزول لي ، لم يقبل قوله ، ولا قول المعزول له ، بل يحتاج إلى بينة تشهد على حكم المعزول له أيام قضائه ، وإن لم يكن بينة ، انتزع منه المال ، وإن اقتصر على أنه لي ، ولم يتعرض الآخذ من المدعي لحكم المعزول ، فالقول قوله بيمينه ، ولو لم يتعرض المتظلم للآخذ ، بل قال : حكم علي بشهادة عبدين ونحوهما ، فقد حكى الغزالي وجها أن دعواه لا تسمع ، ولا يصغى إليه وهذا الوجه خطأ لا نعرفه لأحد من الأصحاب ، بل اتفق الأصحاب على أن دعواه مسموعة ، وبينته محكوم بها ، ولكن هل يحضر المعزول بمجرد دعواه وجهان : أصحهما : [ ص: 130 ] نعم كغيره ، والثاني : لا يحضره إلا ببينة تقوم بما يدعيه ، أو على إقرار المعزول بما يدعيه ؛ لأن الظاهر جريان أحكامه على الصواب ، فيكفي هذا الظاهر حتى تقوم بينة بخلافه ، وعلى هذا فليس المراد أن البينة تقام في غيبته ، ويحكم بها لكن الغرض أن يكون إحضاره ثبت فيقيم المدعي شهودا يعرف القاضي بهم أن لدعواه أصلا وحقيقة ، ثم إذا حضر المعزول ادعى المدعي ، وشهد الشهود في وجهه ، فإن أحضر بعد البينة أو من غير بينة ، فأقر ، طولب بمقتضاه ، وإن أنكر صدق بيمينه على الأصح عند العراقيين والروياني كالمودع وسائر الأمناء ، وقيل : يصدق بلا يمين ، وبه قال ابن القاص ، والإصطخري ، وصاحب " التقريب " والماوردي ، وصححه الشيخ أبو عاصم ، والبغوي . ولا فرق في ذلك بين أن يدعي عليه الحكم في مال أو دم حتى إذا ادعى عليه أنه قتل ظلما بالحكم جرى الخلاف في أن إحضاره هل يتوقف على بينة ، وأنه إذا أنكر هل يحلف ؟ ولو ادعى على نائب المعزول في القضاء ، فهو كالدعوى على المعزول ، وأما أمناؤه الذين يجوز لهم أخذ الأجرة فلو حوسب بعضهم فبقي عليه شيء ، فقال : أخذت هذا المال أجرة عملي ، فصدقه المعزول ، لم ينفعه تصديقه ، بل يسترد منه ما يزيد على أجرة المثل ، وهل يصدق بيمينه في أجرة المثل ؟ وجهان ، أحدهما : لا ، بل عليه البينة بجريان ذكر الأجرة .

                                                                                                                                                                        والثاني : نعم ؛ لأن الظاهر أنه لا يعمل مجانا . قال الإمام : والخلاف مبني على أن من عمل لغيره ولم يسم أجرة ، هل يستحقها ؟

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        لو ادعى رجل على القاضي الباقي على قضائه ، نظر إن ادعى ما لا يتعلق بالحكم ، حكم بينهما خليفته أو قاض آخر ، وإن ادعى ظلما في الحكم ، وأراد تغريمه ، لم يمكن ، ولا يحلف القاضي ولا تغني [ ص: 131 ] إلا البينة ، وكذا لو ادعى على الشاهد أنه شهد بالزور ، وأراد تغريمه ، لأنهما أمينان شرعا .

                                                                                                                                                                        ولو فتح باب تحليفهما لتعطل القضاء ، وأداء الشهادة ، وكذا الحكم لو قال للقاضي : قد عزلت ، فأنكر وعنالشيخ أبي حامد أن قياس المذهب التحليف في جميع هذا كسائر الأمناء إذا ادعيت خيانتهم .

                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية