الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
          [ ص: 144 ] المسألة السابعة

          فيما يتعلق بنسخ الأخبار

          والنسخ : إما أن يكون لنسخ الخبر أو لمدلوله وثمرته :

          فإن كان الأول : فإما أن تنسخ تلاوته أو تكليفنا به بأن نكون قد كلفنا أن نخبر بشيء فينسخ عنا التكليف بذلك الإخبار ، وكل واحد من الأمرين جائز من غير خلاف بين القائلين بجواز النسخ ، وسواء كان ما نسخت تلاوته ماضيا أو مستقبلا ، وسواء كان ما نسخ تكليف الإخبار به مما لا يتغير مدلوله ، كالإخبار بوجود الله تعالى وحدوث العالم .

          أو يتغير كالإخبار بكفر زيد وإيمانه ، لأن كل ذلك حكم من الأحكام الشرعية فجاز أن يكون مصلحة في وقت ، ومفسدة في وقت آخر .

          لكن هل يجوز أن ينسخ تكلفنا بالإخبار عما لا يتغير ، بتكليفنا بالإخبار بنقيضه .

          قالت المعتزلة : لا يجوز لأنه كذب ، والتكليف بالكذب قبيح ، وهو غير متصور من الشارع ، وهو مبني على أصولهم في التحسين والتقبيح العقلي ووجوب رعاية المصلحة في أفعال الله تعالى ، وقد أبطلناه .

          وعلى هذا ، فلا مانع من نسخ التكليف بالخبر بنقيض الخبر .

          وأما إن كان النسخ لمدلول الخبر وفائدته ، فذلك المدلول إما أن يكون مما لا يتغير كمدلول الخبر بوجود الإله سبحانه وحدوث العالم ، أو مما يتغير :

          فإن كان الأول فنسخه محال بالإجماع .

          وأما إن كان مدلوله مما يتغير ، وسواء كان ماضيا كالإخبار بما وجد من إيمان زيد وكفره ، أو مستقبلا وسواء كان وعدا أو وعيدا ، أو حكما شرعيا فقد اختلف في رفعه ونسخه .

          فذهب القاضي أبو بكر والجبائي وأبو هاشم وجماعة من المتكلمين والفقهاء إلى امتناع رفعه .

          وذهب أبو عبد الله البصري والقاضي عبد الجبار وأبو الحسين البصري إلى جوازه ، ومنهم من فصل بين الخبر الماضي والمستقبل فمنعه في الماضي وجوزه في المستقبل .

          [ ص: 145 ] والمختار جوازه ماضيا كان أو مستقبلا ، وذلك لأنه إذا ما دل عليه كان الإخبار متكررا والخبر عام فيه ، فأمكن أن يكون الناسخ مبينا لإخراج بعض ما تناوله اللفظ ، وأن المراد بعض ذلك المذكور ، كما في الأوامر والنواهي .

          فإن قيل : الفرق بين الخبر وبين الأمر والنهي أن نسخ الخبر يؤذن بكونه كذبا ، ولهذا فإنه لو قال : " أهلك الله زيدا " ثم قال : " ما أهلك الله زيدا " كان كذبا بخلاف الأمر والنهي ، وإن سلمنا إمكان نسخ مدلول الخبر ، لكن إذا كان مدلوله حكما شرعيا تكليفا ، أما إذا لم يكن كذلك فلا ؛ وذلك لأنه إذا كان حكمه تكليفا كان الخبر في معنى الأمر والنهي . والأمر يجوز نسخ حكمه كما لو قال : " أمرتكم ونهيتكم وأوجبت عليكم " بخلاف ما إذا لم يكن كذلك .

          والجواب عن الأول : أن ذلك إنما يفضي إلى الكذب إن لو لم يمكن حمل الناسخ على غير ما أريد من الخبر ، وليس الأمر كذلك على ما حققناه ، وأما إذا قال : ( أهلك الله زيدا ) فإهلاكه إنما لم يدخله النسخ ; لأنه لا يتكرر حتى يمكن رفع بعضه وتبقية البعض ، بل إنما يقع دفعة واحدة ، فلو أخبر عن عدمه مع اتحاده كان كذبا لاتحاد المثبت والمنفي .

          وعن الثاني : أنهم إن أرادوا بقولهم إن الخبر بالحكم الشرعي في معنى الأمر ، أن صيغته كصيغته فهو خلاف الحسن [1] وإن أرادوا به أنه يفيد إيجاب الفعل كما في الأمر ، فمسلم ولكن لا يلزم أن يكون هو هو ، فإنه لا يلزم من اشتراك شيئين مختلفين في لازم واحد عام لهما - اتحادهما .

          وغايته تسليم نسخ مدلول بعض الأخبار ، وليس فيه ما يدل على امتناع نسخ غيره مع ما قد بينا .

          التالي السابق


          الخدمات العلمية