الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            ( فلو ) ( قال ) اشتريته ( بمائة ) وباعه مرابحة ( فبان ) أنه اشتراه ( بتسعين ) ببينة أو إقرار ( فالأظهر أنه يحط الزيادة وربحها ) لأنه تمليك باعتبار الثمن الأول كما في الشفعة ، والثاني لا يحط شيء لأنه قد سمي عوضا وعقد به والبيع صحيح على القولين : أي يتبين به انعقاده بما عداهما فلا يحتاج لإنشاء حط ( و ) الأظهر على الحط أنه ( لا خيار للمشتري ) ولا للبائع أيضا وإن عذر سواء أكان المبيع باقيا أم تالفا .

                                                                                                                            أما المشتري فلرضاه بالأكثر فبالأقل أولى ، وأما البائع فلتدليسه .

                                                                                                                            والثاني يثبت الخيار لأنه قد يكون للمشتري غرض في الشراء بذاك المبلغ لإبرار قسم أو إنفاذ وصية أو للبائع لأنه لم يسلم له ما سماه ، قال السبكي : وهو على الفور ( ولو ) ( زعم أنه ) أي الثمن الذي اشترى به مرابحة ( مائة وعشرة ) مثلا وأنه غلط فيما قاله أولا أنه مائة ( وصدقه المشتري ) على ذلك ( لم يصح البيع ) الواقع [ ص: 117 ] بينهما مرابحة ( في الأصح ) لتعذر قبول العقد زيادة بخلاف النقص بدليل الأرش ( قلت : الأصح صحته ، والله أعلم ) كما لو غلط بالزيادة ، وما علل به الأول مردود بعدم ثبوت الزيادة لكن يثبت الخيار للبائع ، وإنما راعوا هنا ما وقع العقد الأول به دون الثاني حتى يثبت النقص ، لأنه هناك لما ثبت كذبه ألغى قوله في العقد مائة وإن عذر ورجع إلى التسعين ، وهنا لما قوي جانبه بتصديق المشتري له جبرناه بالخيار والمشتري بإسقاط الزيادة ( وإن كذبه ) المشتري ( ولم يبين ) البائع ( لغلطه ) الذي ادعاه ( وجها محتملا ) بفتح الميم ( لم يقبل قوله ) لأنه رجوع عن حق آدمي ( ولا بينته ) إن أقامها على الغلط لتكذيبه لها بقوله الأول ويفارق ما لو باع دارا ثم ادعى أنها وقف عليه أو أنها كانت غير مملوكة له ثم ورثها حيث تسمع دعواه وتقبل بينته إن لم يكن صرح حال بيعها بأنها ملكه ، كما لو شهدت حسبة أنها وقف على البائع وذريته ثم الفقراء وتصرف له الغلة إن كذب نفسه وصدق البينة بأن العذر ثم أوضح فإن الوقف والموت الناقل له ليسا من فعله ، فإذا عارضا قوله وأمكن الجمع بينهما بأن لم يصرح حال البيع بالملك فلذا سمعت بينته ، وأما هنا فالتناقض نشأ من قوله فلم يعذر بالنسبة لقبول بينته بل للتحليف كما قال ( وله تحليف المشتري أنه لا يعرف ذلك في الأصح ) أي إن الثمن مائة وعشرة لاحتمال إقراره عند عرض اليمين عليه والثاني لا كما لا تسمع بينته ، وعلى الأول فإن حلف فذاك وإلا ردت على البائع بناء على أن اليمين المردودة كالإقرار ويثبت للمشتري الخيار بين إمضاء العقد على ما حلف عليه وفسخه .

                                                                                                                            قال الشيخان : كذا أطلقوه ، وقضية قولنا إن اليمين المردودة كالإقرار أن يعود فيه ما ذكرنا حالة التصديق : أي فلا يتخير المشتري بل البائع لعدم ثبوت الزيادة ، وهذا هو المعتمد كما قال في الأنوار إنه الحق .

                                                                                                                            قال : وما ذكره من إطلاقهم غير مسلم فإن الإمام المتولي والغزالي أوردوا أنه كالتصديق ، ولم يتعرض الكثير لحكم الرد ، وقد طالعت زهاء ثلاثين مصنفا ما بين قصير وطويل فلم أجد التخيير إلا في الشامل لابن الصباغ ، وقد يوجه ما قالوه بأنها ليست كالإقرار من كل وجه كما يعلم من كلامهم الآتي في الدعاوى ، وعلم مما تقرر أن قول الشارح تبعا لغيره وللمشتري حينئذ الخيار مبني على المرجوح القائل بثبوت الزيادة .

                                                                                                                            أما على الأصح فلا تثبت له وللبائع الخيار كما [ ص: 118 ] مر ( وإن بين ) لغلطه وجها محتملا كجاءني كتاب على لسان وكيلي أنه اشتراه بكذا فبان كذبا ، أو تبين لي بمراجعة جريدتي أني غلطت من ثمن متاع إلى غيره ( فله التحليف ) كما مر لأن ما بينه يحرك ظن صدقه فإن حلف فذاك وإلا ردت ( والأصح ) على التحليف ( سماع بينته ) بأن الثمن مائة وعشرة لظهور عذره .

                                                                                                                            والثاني لا لتكذيبه لها ، ولو اتهب بشرط ثواب معلوم باع به مرابحة أو اتهبه بلا عوض أو ملكه بإرث أو وصية أو نحوها ذكر القيمة وباع بها مرابحة ، ولا يبيع بلفظ القيام ولا الشراء ولا رأس المال لأن ذلك كذب ، وله أن يقول في عبده هو أجرة أو عوض خلع أو نكاح أو صالح أو صالح به عن دم قام علي بكذا ويذكر أجرة المثل في الإجارة ومهره في الخلع والنكاح والدية في الصلح بأن يقول قام علي بمائة هي أجرة مثل دار مثلا أو مهر مثل امرأة أو صلح عن دية وبه بعتكه بها ولا يقول اشتريت ولا رأس المال كذا لأنه كذب .

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            حاشية الشبراملسي

                                                                                                                            ( قوله : بما عداهما ) أي عدا الزيادة وربحها ( قوله : فلتدليسه ) أي لأن الغالب علمه بما اشترى به وإلا نافى قوله قبل وإن عذر ( قوله : قال السبكي ) مبني على الثاني [ ص: 117 ] قوله : وإنما راعوا هنا ) أي فيما لو زعم أنه مائة وعشرة إلخ ( قوله : حتى ثبت النقص ) أي الذي ادعاه البائع أي فيزاد في الثمن ( قوله : جبرناه ) أي البائع بالخيار قال الشيخ عميرة : وأيضا فالزيادة لم يرض بها المشتري ، بخلاف النقص السالف فإنه رضي به في ضمن رضاه بالأكثر ( قوله : بأنها ملكه ) أي فإن صرح بذلك لم تقبل دعواه ولا بينته ومحله إذا لم يذكر تأويلا لتصريحه فإن ذكره كأن قال كنت نسيت أو اشتبه المبيع علي بغيره قبل ذلك منه كما ذكره الشارح في باب الحوالة بعد قول المصنف ولو باع عبدا ثم اتفق المتبايعان إلخ في بعض النسخ المعتمدة وعبارته : وظاهر أن محل الخلاف إذا لم يذكر تأويلا فإن ذكره كأن قال كنت عتقته ونسيت أو اشتبه علي بغيره فينبغي سماعها قطعا ا هـ ( قوله فالتناقض نشأ إلخ ) قال سم على حج : قوله فالتناقض إلخ قد يقال والتناقض هنا نشأ من قوله وهو دعواه أنها وقف أو كانت ملك غيره فإن هذا القول مناقض لبيعه ، إلا أن يقال لما كان الوقف والموت ليسا من فعله وقد يخفى كل منهما عليه لم يجعل ذلك تناقضا ( قوله : على ما حلف عليه ) أي البائع ( قوله كما في الأنوار ) للأردبيلي ( قوله : قال ) أي صاحب الأنوار ( قوله وقد طالعت ) من كلام صاحب الأنوار ( قوله زهاء ) أي قدر ( قوله : وللبائع الخيار ) أي ويثبت للبائع إلخ [ ص: 118 ] قوله : فله التحليف ) أي للمشتري ( قوله : يحرك ظن صدقه ) أي يقويه ( قوله : والأصح على التحليف ) أي إذا قلنا له التحليف ومعلوم أنه لا تحليف عند إقامة البينة ( قوله : لظهور عذره ) قال حج : وبهذا فارق ما هنا أيضا أفتى ابن عبد السلام فيمن باع بالغا مقرا له بالرق ثم ادعى أنه حر وأقام بينة بأنه عتق قبل البيع بأنها تقبل : أي وإن لم يذكر لإقراره بالرق عذرا كما اقتضاه إطلاقه ، لأن العتيق قد يطلق على نفسه أنه عبد فلان ومملوكه ، وقضيته أنه لا تقبل بينته لكونه حر الأصل ، ويتعين حمله بعد تسليمه على ما إذا لم يبد عذرا كسبيت طفلا ( قوله : باع به ) جواب لو ( قوله : أو نحوهما ) كالهدية والصدقة ( قوله : ذكر القيمة ) أي فيما لو اتهبه بلا عوض إلخ كأن يقول بعتك هذا بقيمته وهي كذا وربح درهم لكل عشرة ( قوله أو صلح عن دية ) الموافق لما مر أن يقول عن دم إلخ .



                                                                                                                            حاشية المغربي

                                                                                                                            . ( قوله : أي تبين به ) أي : يتبين كونه بتسعين . ( قوله : فلتدليسه ) جرى على الغالب فلا ينافي قوله وإن عذر ( قوله : الذي اشترى به مرابحة ) الظاهر الذي اشترى به [ ص: 117 ] وباع مرابحة ، فلعل لفظ وباع سقط من الكتبة على أنه لا حاجة إلى قوله مرابحة . ( قوله : قلت الأصح صحته ) أي : بالمائة فقط . ( قوله : وإنما راعوا هنا ) يعني في مسألة الغلط بالزيادة . ( قوله : كما لو شهدت حسبة ) أي وإن صرح حال بيعها بأنها ملكه بدليل قوله وإن كذب نفسه ( قوله : وقد يوجه ما قالوه إلخ ) من كلام الشارح وما قبله من كلام الأنوار [ ص: 118 ] فكان ينبغي أن يقول عقبه ا هـ . ( قوله : والأصح سماع بينته ) أي : وإذا سمعت كان كتصديق المشتري فيما ذكر فيه كما نقله النور والزيادي عن المتولي وغيره .




                                                                                                                            الخدمات العلمية