الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قلت: ولقائل أن يقول: قوله: (لا وجود للجملة دون وجود أبعاضها) أيعني به وجود أبعاضها معها؟ أو وجود أبعاضها ولو كانت متعاقبة؟

أما الأول فلا يصح، لأن ما فرض متعاقبا لا يمكن أن تكون أبعاضه موجودة معه، وليس له وجود مجتمع في زمن واحد، حتى يمكن اجتماع أبعاضه معه، بل وجود أبعاضه - وهو متعاقب مع جملته - جمع بين النقيضين.

وإن عنى به وجود أبعاضها كيفما كان، فيقال له: هذا صحيح، والمنتفي إنما هو وجود شيء من أبعاضها في الأزل، ولا يلزم من انتفاء كون الواحد من أبعاضها قديما أزليا أن لا يكون موجودا، فإذا كان وجود الجملة موقوفا على وجود أبعاضها فوجود أبعاض المتعاقب ممكن، وإن قال: (إن وجود الجنس المتعاقب الذي هو قديم أزلي أبدي موقوف على كون الواحد من آحاده قديما أزليا أو أبديا) فهذا محل النزاع.

فتبين أن الجواب فيه مغلطة، وحقيقة الجواب أنه يجب الحكم على الجملة بما يحكم به على أفرادها، وقد بين هو وغيره فساد هذا [ ص: 61 ] الجواب، فإنه إذا لم يكن بعض الجملة أزليا كان ذلك سلبا للأزلية عن أفراد الجنس، ونفي الأزلية هو لحدوث، فيصير معنى الكلام: إذا كان كل واحد من الأفراد أو الأبعاض المتعاقبة حادثا وجب أن يكون الجنس المتعاقب حادثا، وقد عرف فساد هذا الكلام.

وأبو الحسن الآمدي وغيره أدخلوا هذه المقدمة - أعني منع العلل المتعاقبة - في إثبات واجب الوجود، ولا حاجة بهم إليها، وهي مبنية على مقدمتين، إحداهما: أن العلة قد تتقدم المعلول، وقد ذكر هو في كتابه المسمى بـ (دقائق الحقائق) نقيض ما ذكره هنا في كتابه المسمى (أبكار الأفكار) وذكر في إثبات واجب الوجود هذه الطريقة التي تقدمت حكايتها عنه، وقال فيها: إن كانت العلل والمعلولات غير متناهية، فإما أن تكون متعاقبة أو معا، لا جائز أن يقال بالأول؛ إذ قد بينا امتناع الافتراق بين العلة والمعلول فيما تقدم) .

والذي قاله فيما تقدم هو أن العلة أو الفاعل لا يفتقر في كونه علة لمعلوله، ولا كون المعلول معلولا، إلى سبق العدم، فإن ما كان من [ ص: 62 ] المعلولات الوجودية مسبوقا بالعدم: إما أن يكون وجوده بإيجاد العلة له في حال وجوده، أو في حال عدمه، لا جائز أن يكون ذلك له في حال عدمه، لامتناع اجتماع الوجود والعدم، فلم يبق إلا أن يكون موجدا له في حال وجوده، لا بمعنى أنه أوجده بعد وجوده، بل بمعنى أن ما قدر له من الوجود غير مستغن عن العلة، بل يستند إليها، ولولاها لما كان، وإذ ذاك فلا فرق بين أن يكون المعلول وجوده مسبوقا بالعدم، أو غير مسبوق بالعدم.

التالي السابق


الخدمات العلمية