الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            ولو انهدم جناحه فسبقه جاره إلى بناء جناح بمحاذاته جاز وإن تعذر معه إعادة الأول أو لم يعرض صاحبه ، كما لو انتقل الواقف [ ص: 396 ] أو القاعد في الشارع لا للمعاملة فإنه يبطل حقه بمجرد انتقاله ، وإنما اعتبر الإعراض في الجالس فيه للمعاملة ; لأنها لا تدوم ، بل الانتقال عنها ثم العود إليها ضروري ، فاعتبر الإعراض بخلاف ما هنا فاعتبر الانهدام ، وأيضا فالارتفاق بالقعود للمعاملة اختصاص بالأرض التي من شأنها أن تملك بالإحياء قصدا فقوي الحق فيها فثبت استحقاقه ما دام مقبلا عليه ، والاختصاص بالهواء اختصاص بما لا يقبل الملك إلا تبعا ، ولا شيء يقتضي التبعية فضعف الحق فيه فلذلك زال بزواله ، فاندفع ما للإسنوي تبعا للرافعي من الاعتراضات هنا .

                                                                                                                            نعم لو بنى دارا بموات وأخرج لها جناحا ، ثم بنى آخر دارا تحاذيه واستمر الشارع لم يزل حق الأول بانهدام جناحه لسبق حقه بالإحياء ، وله إخراج جناح تحت جناح جاره وفوقه ما لم يضر بالمار عليه ومقابله ما لم يبطل انتفاعه به .

                                                                                                                            والطريق ما جعل عند إحياء البلد أو قبله طريقا أو وقفه المالك ولا يحتاج في غير ملكه إلى لفظ ، وبنيات الطريق التي تعرفها الخواص ويسلكونها لا تصير طريقا بذلك ويجوز إحياؤها كما رجحه القمولي ; لأن أكثر الموات لا يخلو عن ذلك ، وحيث وجد طريقا عمل فيه بالظاهر من غير نظر إلى أصله ، وتقدير الطريق إلى خيرة من أراد أن يسلبه من ملكه ، والأفضل توسيعه وعند الإحياء إلى ما اتفق عليه المحيون ، فإن تنازعوا جعل سبعة أذرع كما رجحه المصنف لخبر [ ص: 397 ] الصحيحين بذلك واعترضه جمع بأن المذهب اعتبار قدر الحاجة والخبر محمول عليه ولا يغير عما هو عليه ، ولو زاد على السبعة على قدر الحاجة فلا يجوز الاستيلاء على شيء منه وإن قل ، ويجوز إحياء ما حوله من الموات بحيث لا يضر بالمارة ( ويحرم الصلح على إشراع الجناح ) أو نحوه من ساباط بعوض وإن كان الإمام ; لأن الهواء لا يفرد بعقد ، وإنما يتبع القرار كالحمل مع الأم ، ولأنه إن ضر امتنع فعله وإلا استحقه مخرجه وما يستحقه الإنسان في الطريق لا يجوز أخذ عوض عنه كالمرور .

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            حاشية الشبراملسي

                                                                                                                            ( قوله : ولو انهدم جناحه ) أي ولو بهدم جاره ، والمراد به الذي أخرجه في الشارع كما هو الفرض فلا ينافي ما يأتي في قوله نعم لو بنى دارا بموات إلخ .

                                                                                                                            [ فائدة ] نقل الغزي عن الكافي أنه لا يشترط في الجناح المخرج قدر ، ويشترط في الميزاب أن لا يجاوز نصف السكة ، وجهه الغزي بأن الجناح قد لا يحتاج إليه وبفرضه هو نادر ، بخلاف الميزاب فإن كلا من المتجاورين يحتاج إليه لإخراج الماء ، فمجاوزة أحد الجارين بميزابه لنصف السكة مبطل لحق الآخر ، ونظر فيه حج وقال [ ص: 396 ] فالوجه جواز إخراجه ما لم يترتب عليه ضرر لمال الجار سواء أجاوز النصف أم لا انتهى .

                                                                                                                            ومثل سم في حاشيته عليه الضرر بأن يصيب ماؤه جدار الغير بحيث يعيبه أو يتلفه انتهى

                                                                                                                            ( قوله : لا للمعاملة ) تنازعه الواقف والقاعد .

                                                                                                                            والمعنى أن من وقف أو قعد في الشارع لغير المعاملة ثم انتقل بطل حقه بخلاف من فعل ذلك للمعاملة

                                                                                                                            ( قوله : نعم لو بنى دارا ) شمل المستثنى منه ما لو أخرج بعض أهل الشوارع الموجودة الآن جناحا ثم انهدم فلمقابله إخراج جناح إلى الشارع وإن منع الأول من إعادة جناحه ; لأنا لا نعلم سبق إحياء الأول بل يجوز أن الثاني هو السابق بالإحياء أو أنهما أحييا معا

                                                                                                                            ( قوله : ما لم يضر بالمار ) أي المجاوز له بأن مر تحت الجناح الأسفل فإنه الذي يتأتى الضرر بالنسبة له ، بخلاف ما لو أخرج فوق الجناح الأسفل فإنه لا يتأتى إضرار المار تحته : نعم لو زاد في عرضه على الجناح الأسفل أمكن الإضرار به لحصول ظلمة بسببه لم تكن حاصلة بالأسفل

                                                                                                                            ( قوله : ما لم يبطل انتفاعه ) قيد في الثلاثة كما يؤخذ من كلام حج .

                                                                                                                            ومحله ما لم يحصل له ضرر لا يحتمل مثله عادة

                                                                                                                            ( قوله : ومقابله ما لم يبطل ) قيد في الثلاثة كما يؤخذ من حج ، وقوله انتفاعه به : أي أو يحصل ضرر لا يحتمل عادة ، وانظر صورة منع الانتفاع به أو إدخال الضرر على جاره في هذه الحالة فإن غايته أن يمد الجناح حتى يلتصق بجناح جاره وأي ضرر يلحقه بذلك فليتأمل

                                                                                                                            ( قوله : ما جعل عند إلخ ) أي بأن ترك على هيئة الطريق أو اعتاد الناس المرور فيه قبل الإحياء

                                                                                                                            ( قوله : وبنيات الطريق ) بالباء الموحدة حج : أي وبضمها وفتح النون وبالياء التحتية المثناة

                                                                                                                            ( قوله : ويجوز ) الأولى التفريع

                                                                                                                            ( قوله : وحيث وجد ) أي المار

                                                                                                                            ( قوله : عمل فيه بالظاهر ) أي من حيث كونه شارعا من غير نظر إلى أنه كان مواتا أو ملكا أو غيرهما ، ومن الظاهر أنهم فعلوه كذلك ، وإن كان ضيقا فلا يهدم ما جاوره من البناء ، ومثله الشوارع الموجودة بمصرنا فلا تغير عما هي عليه ، وإن تضرر بذلك المارة لضيقها لجواز أنها اتخذت ممرا بعد البناء

                                                                                                                            ( قوله : أن يسبله ) أي وإن قل حيث أمكن الانتفاع به ، ولو بمشقة في المرور منه ، فإن لم يمكن الانتفاع به أصلا بأن قل جدا لغا التسبيل وبقي على ملك صاحبه

                                                                                                                            ( قوله : إلى ما اتفق عليه المحيون ) ظاهره وإن قل

                                                                                                                            ( قوله : جعل سبعة أذرع ) [ ص: 397 ] أي وجوبا

                                                                                                                            ( قوله : ولا يغير ) أي الطريق ( قوله : ولو زاد على السبعة ) غاية لقوله : اعتبار قدر الحاجة .

                                                                                                                            والمراد أن قدر الحاجة إذا زاد على السبعة لا يغير .



                                                                                                                            حاشية المغربي

                                                                                                                            [ ص: 396 ] ( قوله : إلا تبعا ) أي كهواء ملكه إلى السماء . ( قوله : ما لم يضر بالمار عليه ) أي على جناح جاره .




                                                                                                                            الخدمات العلمية